الآخرة خير لك ولولدك من أموال الدنيا يا شيخ نعيم

سعادة رئيس تحرير الجزيرة المحترم..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لفت نظري عنوان صحيفتكم الغراء المنشور في العدد رقم 15373 تحت عنوان: (النحاس يرفض الملايين والسيارات.. ويتنازل عن قاتل ابنه لوجه الله). وجاء في ثنايا الخبر أنه في بادرة إنسانية وابتغاءً لوجه الله تعالى طلباً للأجر من المولى عزّ وجلّ، ضرب المواطن نعيم إسماعيل النحاس أروع الأمثلة في ذلك حيث تنازل عن قاتل ابنه «محمد» -رحمه الله- القاتل عبدالله محمد الحويطي، حيث سجل تنازله رسمياً لدى فضيلة رئيس المحكمة العامة بتبوك الشيخ محمد بن سعود الجدعان دون مقابل وطلباً للأجر من الله سبحانه وتعالى.

ولقد قرأت بكثير من التأثر تصريح والد القتيل الشيخ نعيم النحاس لـ»الجزيرة» حين قال: «رفضت الأموال والعقارات والسيارات التي قدمت لي، وحضرت براً رغم كبر سني وتعبي من محافظة الوجه إلى مدينة تبوك في مسافة لأكثر من 300 كم لأجل هذا الأمر، والحمد لله، أبتغي ما عند الله فقط».

إن هذا الرجل نموذج للمسلم كما يريد له خالقه، ونموذج للمواطن السعودي كما نتمناه أن يكون دائماً، وهو الذي نشأ في أكناف مهد رسالة الإسلام، وفي دولة تتخذ من كتاب الله وسنة رسوله منهجاً ودستوراً. ولقد قرأت عن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- قوله: «أعلم أن هذه الملة - ولله الحمد - ملة وسط بين ملتين: إحداهما غلت في القصاص، والثانية فرَّطت فيه، وليس معنى ذلك أننا نقول: إن هاتين الشريعتين خرجتا عمّا شرعه الله، ولكن الله بحكمته أوجب على هؤلاء كذا، وأوجب على هؤلاء كذا، فقد ذكروا أن شريعة اليهود وجوب القصاص، وأنه لا طريق إلى العفو عن الجاني، وأن شريعة النصارى وجوب العفو عن القصاص، وأنه لا سبيل إلى القصاص. وجاءت هذه الشريعة وسطاً بين الملتين، فيجب القصاص ويجوز العفو، ولهذا قال الله - تعالى - في الآية: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} باعتبار إيجاب القصاص، {وَرَحْمَةٌ} باعتبار العفو، أي: من رحمة الله تعالى أن يعطي لأولياء المقتول حظاً لأنفسهم يتشفون به من القاتل.

ويرى الفقهاء أنه لو صولح أولياء المقتول على الدية جاز، ومن سعى في طلب العفو منهم أو إقناعهم بقبول الدية فلا حرج عليه في ذلك. بل هو إحسان وفعل خير لأن العفو أفضل من القصاص. ولكن يقيد هذا عند بعض أهل العلم بما إذا لم تكن مفسدة العفو أرجح، كأن كان هذا الجاني معتديا ظالما يخشى من العفو عنه أن يتمادى في ظلمه ويسرف في عدوانه فترك العفو حينئذ أفضل».

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لهذا الرجل الذي منح الفرصة للشاب قاتل ابنه أن يتوب إلى الله ويعمل صالحاً، ويعود إلى جادة الحق، فيكون الوالد بذلك غنم أجرين؛ أجر العفو والعتق الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله في موازين صالحاته وصالحات ابنه رحمه الله، وأجر هداية شاب تائب ستكون له هذه -لا شك- عبرة وباباً للتوبة، فتكون الأمة بذلك كسبت مسلماً صالحاً.

جواد المرزوق - تبوك