05-11-2014

صحافة الشعر النبطي

صحافة الشعر النبطي نوعان: نوع يقدم الخبر على المحتوى, ونوع يقدم المحتوى على الخبر, ويمكن القول إن القائمين على النوع الأول تغلب عليهم النزعة الإعلامية, والقائمين على الثاني تغلب عليهم النزعة الأدبية.

وصحافة (المحتوى) تتفاوت بين العمق والسطحية, والثراء والفقر, أما صحافة (الخبر) فتذهب في اتجاهين: اتجاه رصين يعنى بالصدق, ويسعى لخدمة (وظيفتي الأدب: الإفادة والإمتاع), وهذا هو النموذج الأعلى لكنه الأندر, واتجاه يهتم بالإثارة ولا يعدل بها, ولا يعنيه ثراء المحتوى أو فقره.

وجمهور أدب الإثارة أكثر من جمهور الأدب الحقيقي, هذا هو الطبيعي فالعامة في كل المجتمعات يمثلون أكثر من تسعة أعشار عدد السكان. ويدخل في عداد العامة, المتطفلون على كل مجال ولو كانوا من ذوي الخبرات وحملة الشهادات العليا في مجالات أخرى.

وصحافة المحتوى وإن تكن سطحية فقيرة في محتواها, مقدّمة ـ فطرة وعقلا ـ على صحافة الإثارة, والصدق خير من الكذب.

تقرأ في صحف الإثارة فتجابهك عناوين صارخة وادعاءات عريضة, وإثارة مفتعلة في قضايا لا إثارة فيها, فإذا استجبت لبريق تلك العناوين الوهمية وأقبلت متشوقا إليها, لم تجد عندها سوى السراب والخديعة وضياع الوقت!

والإسراف غير المقبول في منح الألقاب والصفات للشعراء, من أبرز أساليب الإثارة, وتمارسه فئة إما أنها لا تدرك جلالة الميثاق الإعلامي, أو أنها تدركه لكنها لا ترى فيما تقوم به مخالفة له.

راجت صحافة (الخبر) وارتفعت على حساب (المحتوى) وظهر فيها ما يُسمى (علاقات المنفعة) التي تشرحها المقولة المأثورة (شد لي وأقطع لك), فنتج عن ذلك ممارسة فجة لعنصرية مقيتة, وشللية إقصائية, في حالة اختطاف متعسف للشعر النبطي, واستلاب ذهني محزن لجمهور هذا الفن.

إن نتاج الكاتب والشاعر, وأسلوب الإعلامي ونهجه يعبر بالضرورة عن شخصيته, والمقياس يقرر أنه لا يروج حق إلا في بيئة تؤثر الحق, ولا يروج سخف إلا في عقول سخيفة فارغة.

لقد ظن بعض من إعلاميي الإثارة لكثرة ما يراه حوله من المصفقين أنه أصبح الفارس المدجج, وظن الشاعر المبهرج أنه وحده الشاعر المتوج, فنام كلاهما في عريش هذا الوهم, واستنامت روحهما لهذه الأكذوبة, فتطوّسا وامتلآ غطرسة, وتفجرا غرورا حتى إنه الواحد منهما ليجزم أن الشارع والجدار والباب والهواء وكل شيء يمر به يناديه ويشير إليه وينظر بإعجاب!

لم تكن الشهرة وحدها هي مطلب بعض إعلاميي الإثارة وشعرائها, بل كان وراء ذلك تجارة تسيل اللعاب, فالإعلام يُعرّف بالشاعر ويلمّعه ليعرضه كسلعة تُجلى, أو عروس تُجتلى, والهدف التسويق, والغاية الوصول إلى عطاء ذوي الأصفر الرنان المصابين بـ(عقدة التفوق) الذين تهز المدائح أعطافهم, وهي رغبة آنية لا ترتقي للتطلع للخلود لأن الشعر اليوم تخلى عن خدمة التخليد. وفتش عن كل فساد في مجال حيوي تجد (الاقتصاد) وراءه, فهو رفيق سوء ما دخل في شيء إلا أفسده!

إذا كانت الحاجة إلى صحافة (الخبر) قائمة في الماضي فإنها اليوم وبعد بزوغ نجم (الإعلام الجديد), وانحسار (مجلات الشعر) والمنتديات الإلكترونية, وقلة الاهتمام بقنوات الشعر المختصة, ليست كذلك, فدور الوسيط الذي كانت تقوم به بين الشعراء ومريديهم وبينهم وبين جماهير الأدب عموما, ألغته وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا (تويتر) الذي أتاح فرص التواصل معهم مباشرة, وهذا يعني أن افتعال الإثارة بالعناوين الصارخة أصبح صرخة في واد!

أما صحافة (المحتوى) فلم تؤثر فيها تلك الوسائل لأنها في الأساس غير معنية بالتسويق والترويج والتهريج بقدر ما هي معنية بصناعة الأدب ونشر الثقافة.

قال منصور العازمي:

افترقنا في بدايات الطريق

ما وفيت لقلب شخص لك وفى

أنت حبك شاعر ماله بريق

لمّعوه (المختلف) ثم اختفى!

هذا هو بالضبط واقع صحافة الإثارة التي كانت في يوم ما تعزّ من تشاء من أشباه الشعراء.

alkadi61@hotmail.com

تويتر @alkadi61

مقالات أخرى للكاتب