09-11-2014

تحليل للشخصية الإرهابية

يذكر أن المفكر الهندي «مهاتما غاندى» عام 1920 قال «إن الارهاب هو سلاح الضعفاء وليس سلاح الأقوياء «. يعرِّف الإرهاب على أنه العدوان والسلوك الإجرامي الذي يمارس ضد المجتمع وضد الأداة الشرعية، ولبث الفزع والرعب في نفوس الناس في أي مكان وزمان وتحت أي ظروف معيشية بصرف النظر عن دوافع و أسباب حدوثه ،فهو استعمال العنف والعدوان والتخويف للوصول إلى أهداف معينة. ولكن يظل سؤال يطرح نفسه دائماً هو: ما الطبيعة النفسية الاجتماعية التي ينطلق منها الفعل الإرهابي بشكل عام؟ ،وتُعد الإجابة عليه محاولة لفهم الإرهاب. هذه الظاهرة التي شهدت خلال الفترة الماضية ظهور تنظيم جديد أكثر حداثة من رحم تنظيم القاعدة أطلق عليه اسم (داعش) فهو تنظيم أكثر دموية وفتكا, حيث تمكن هذا التنظيم من غرس فكرة مهمة وخطيرة في عقول عناصره وهي الكراهية والحقد، والتي تعني إعدام كلّ مظاهر الحياة ورموزها الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والإعلامية والعسكرية.

فاليوم أصبحت الشخصية الداعشية هي خلاصة مركّزة للشخصية الإرهابية القاعدية الكلاسيكية. الشخصية الإرهابية تعتبر شخصية شاذة ومريضة بناءً على التحديد الواضح لخصائصها التي تخضع للتفسيرات العلمية, ولها مجموعة خصائص وصفات يمكن إجمالها بالعنف الوحشي البربري الذي يشكّل محور هذه الشخصية الخطيرة والمهددة لسلامة المجتمع وأفراده.

وعلى الرغم مما تشهده هذه التنظيمات من تقدم وتحول وتقاطع مصالح إلا أن دراسة الشخصية الإرهابية والأبحاث في مجال الإرهاب والسلوك الإرهابي تعد قليلة جدا على مستوى العالم بل تكاد تكون معدومة.

السؤال الكبير: كيف يتم إعداد وصناعة الإرهابي الذي يستبيح القتل لمجرد القتل؟ وكيف يمكن صناعة انسان فاقد التفكير عديم الإنسانية .. وكيف تتم السيطرة عليه الي حد اقناعه بالانتحار في سبيل نشر الموت والدمار في كل أنحاء الوطن؟ هنا لابد أن نعرف أن أهم ما يميز الخلايا الارهابية هو غياب النسيج المجتمعي المساند, مما يولد لديه الرغبة في الانضمام والانتماء لمجموعة تكسبه نوعا من احترام الذات والهوية, والرغبة في الثورة على نظام المجتمع, والرغبة في الحماية من المجتمع الذي يشعر أنه ظلمه, وحب المغامرة والمخاطر والتجديد, ويعزز الراديكالية الإحباط والفشل والبطالة وعدم وجود الحافز للتقدم ذلكم الشعور.

وهنا يجب التفرقة بين الإرهابي كقائد والارهابي كتابع, فعادة ما تكون قيادات الارهاب شخصيات راديكالية متطرفة غير قابلة للمرونة أو الحوار أو المناقشة, ويكون إيمانهم بالفكرة أو الاعتقاد يقينا غير قابل للمناقشة, وتكون لهم القدرة على إقناع الآخرين باعتقاده سواء كان خاطئا أو صحيحا، خاصة في هؤلاء القابلين للإيحاء ويطيعون القائد كقطيع دون وعي بالرغم من تفاوت ثقافتهم. فالإرهابي ينتمي كلياً إلى الجماعة التي يشعر معها بأمان نسبي، والتي تمثل بالنسبة له منظومة القيم التي تحدد سلوكه وأفكاره وكذا ردود أفعاله، خاصة مع ما تمارسه الجماعات المتطرفة من فرض سياج من العزلة على عناصرها الداخلية، أو الأفراد المشكلين لها، حتى تستطيع أن تعزز قيم العنف الذي أصبح في هذه الحالة مقدساً ،أو دينياً.

ومن العوامل التي تجعل المرء مهيأ للانخراط في الإرهاب هي: التجارب الشخصية في مجال الاضطهاد (الحقيقية أو المتصورة), وتوقعات تتعلق بالانخراط ( مثلا المغريات كالإثارة الجنسية مثل الوعد بالحور العين من قبل قائد الخلية حال الموت ).

ولدراسة الشخصية الإرهابية لابد من معرفة أو دراسة العوامل التي تساعد وتساند على خلق تلك الشخصية وتشكلها بتلك الدرجة من الوحشية والعنف والبربرية والاستهتار بالنفس البشرية ومنها :

1 - تاريخ الشخصية الإرهابية منذ ولادته وطرق تربيته ومجموع الخبرات المكتسبة التي تؤثر في تكوين شخصيته، وتُعدَ هذه النقطة من العوامل المهمة في كيفية انحرافها، ومن ذلك العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي تعرض له.

2 - العوامل الداخلية والمتمثلة في مجموع الصفات التي نشأ فيها الشخص الإرهابي والتي يكون مزوداً بها وهى ذات تأثير على طباعه وسلوكه وعلاقته بالآخرين كعلاقاته بأسرته وأقرانه.

3 - المؤثرات الخارجية وتشمل مجموع المثيرات البيئية التي يستقبلها الفرد ويستجيب لها وتؤثر في تصرفاته كالنظرة المتطرفة للمجتمع والتكفير لذلك المجتمع والهجرة والعزلة عنه والغربة وهو داخل المجتمع وضرورة تغيير المجتمع بقوة اليد والسلاح وحتمية فرض وجهة نظره المتطرفة للمجتمع وضرورة قبولها من أفراد أسرته ومجتمعه.

هذه العوامل الثلاثة تمثل الجانب النفسي والاجتماعي في تكوين شخصية الإرهابي.

يشعر صاحب الشخصية الإرهابية بالاضطهاد ، ويرى أن حقوقه مهدورة، فيكون مستعداً للموت من أجلها، ولديه نزعة لحمل ضغينة مستديمة وحقد دفين وكره للمجتمع وغل لأهله وعشيرته، ورفض للتسامح، لأن صفة العدائية تكون متحكمة فيه. وبداية تكوين مثل هذه الشخصية هي نشوء معتقدات وهمية لديه تقوى بمرور الزمن لتصبح حقائق واقعة مسلمة مع أنها أوهام من صنع خياله المريض. يؤكد هذا الاستنتاج أن الإرهابيين تلقوا هذه المعتقدات من شخصيات دينية أو اجتماعية لها تأثير فيهم فتضخمت لديهم المشاعر السلبية الخاصة بالانتقام وتطهير المجتمع، وهذا مما يجعلهم عاجزين عن السيطرة على رغباتهم الداخلية خاصة العنف الغريزي، فينفجر في وجه المجتمع الذي يدينه هذا الإرهابي ويحمله نتيجة فشله من الأساس. لأنه كان قد تعرض لاضطهاد وتحقير وإهانات شخصية وأسرية ومجتمعية له.

إذن الإرهابي الانتحاري شخصية لا تتسم بالقوة وترغب في الموت من الأساس، إلا بسبب ما تضفيه عليه أسرته وجماعته خصوصاً في إطارها الديني من شرعية لهذا الفعل، وهذا ينفي ويلغي لديه أي شعور مسبق بالذنب أو مجرد التساؤل عن ضرورة القتل. خاصة إذا كان العنف والقتل خطوة مهمّة نحو إقامة خلافة إسلامية كبرى. فهو يعتقد أن كل سكان العالم كفرة وانه وجماعته وحدهم المسلمون إسلاما حقيقيا..

فشخصية الإرهابي الدموي تتميز في نقص الوظائف النفسية والاجتماعية والتفاعلية والتواصلية واضطراب الوعي والإدراك والتفكير مع الانطواء على النفس وتكوين عاطفي معيب يتميز بقابلية الانفعال بسهولة وعدم الاستعداد للتقيد بالنظم.

الإرهابيون الدمويون يدفعهم للدموية عاملان أساسيان هما: التطرف, فالمتطرف هو ذلك الشخص الذي لا يسمع إلا صوته ولا يؤمن إلا برأيه، والتطرف يقسّم الناس لقسمين: مؤمنين وكفار، أو أخيار وأشرار. ومن خصائص التطرف التشدد في القيام بالواجبات الدينية والتكلف الشديد ومحاسبة النفس على السنن والنوافل والحكم بكفر تاركها بسبب الجهل بالدين بالإضافة لعوامل أخرى كالعنف والنظرة التشاؤمية والتقليل من أعمال الآخرين، وإصدار الفتاوى باستحلال دماء الناس وأموالهم وأعراضهم والخروج عن القصد الحسن والسير المعتدل, والعامل الآخر هو التكفير وهو في الحقيقة الحكم بالقتل لأن الكافر ضال يجب قتله في عقل هذا الإرهابي فهذه الشخصية الإرهابية تستمتع بآلام الآخرين حتى أقرب الناس إليها.

تعد هذه الشخصية أسوأ الشخصيات على الإطلاق، وهي أخطر الشخصيات على المجتمع والناس، كما أنه لا يهمها إلا نفسها وملذاتها فقط, والإرهابي شخص مشعل للحرائق فالنار تشكل عندهم رمزية للدمار؛ يشعلون الحرائق دون تعليلات منطقية.

فالحالة الإرهابية حالة مرضية تظهر بشكل سلوك اندفاعي متهور عنيف، ومتكرر، يستهجنه المجتمع و يعاقب عليه، دون أن يكون لذلك علاقة بالضعف العقلي أو بمرض عقلي.

فهم ببساطة نوعية من الأفراد يتصفون بسلوك غير سوى يظهر عليهم من صغرهم فالإرهابي شخص منعدم الضمير تماما، يمكنه أن يضحي بوالدته لو لاحت له مصلحة خاصة وراء ذلك. فهي شخصية مصابة بمرض الإجرام، فهذه الشخصية الإرهابية التكفيرية مشكلة تواجه الأسرة والمدرسة والمجتمع، وتهم علماء الدين والنفس والاجتماع والتربية ورجال القانون والأمن لما تتركه من آثار سلبية ضارة بالفرد والمجتمع، ولما تسببه من تهديد للمجتمع، وهدر في رأس المال البشري.

وهناك عدد من الصفات المشتركة التي نستطيع أن نجدها في غالبية حاملي هذه النوعية من الشخصيات:

ومنها ضعف الضمير واختفاء مشاعر الذنب والفشل في اكتساب الضوابط الداخلية. والبطء في بعض أنواع التعلم خاصة التعلم الذي يحتاج للوعي بمعايير المجتمع. ومواجهة الإحباط بالاندفاع والعدوان دون حساب النتائج. كذلك ضعف المشاركة الوجدانية والعجز عن تقدير مشاعر الآخرين. وإنها لا تتأثر بأي وسيلة من وسائل العلاج .

ويختلف حاملو هذه الصفات بعدة سمات وأوجه لعل منها:

1 - المتعصبون التكفيريون: ويشمل هذا النوع أصحاب النشاط الديني العنيف غير المعتدل ويتميز هؤلاء بأنهم متشوقون للسلطة، سريعو الغضب وأنه ليس لديهم من روح المرح شيء يذكر.

2 - المجرمون عديمو الشعور : وهؤلاء يقترفون أعمالا عدوانية وأعمال عنف ضد أشخاص آخرين أو جماعات، دون القدرة على التحكم في اندفاعاتهم وهم يدركون ما يفعلون دون إحساس بالإثم أو شعور بالذنب فهم يحترفون أعمالاً عدوانية وأعمال عنف ضد أشخاص آخرين أو ضد جماعات بطريقتهم الإجرامية المعروفة التي تشمل الهجوم والتربص أو القتل أو حرق أملاك الغير أو ما شاكل ذلك .

3 - الانتحاريون الانفجاريون : وهم يشبهون عديمي الإحساس من المجرمين فيما عدا أن هذا النوع تصاحبه حالات من الغضب العارم والذي يؤدي غالبا إلى الخروج والانتقام من المجتمع بشكل سريع وغير متأن ومصحوب بنزعة عدوانية، فيقدم على الانتحار ليقتل أكبر عدد ممكن من الأفراد الأبرياء.

إن حدوث وتبلور الشخصية الإرهابية لا يحدث فجأة أو مجرد استيقاظ الفرد باكرا يقرر أن يصبح إرهابيا، بل إن هناك أدوارا وطرقا متعددة وأساليب مهمة تساعد في تبلور مثل هذه الشخصيات، تأتي في مقدمتها العوامل النفسية والتي لها دور كبير في نشوء الانحراف الإرهابي؛ فالاضطراب النفسي والقلق والصراع والإحباط وشعور الفرد بأنه مضطهد قد يكون بعضها أو كلها سببًا في ظهور هذا المرض ,وأهم من ذلك كثيرا أسلوب التنشئة الاجتماعية الذي تتبعه الأسرة في تربيتها لأطفالها والقائم على الإفراط في اللين والرعاية والحماية، أو على العكس الإفراط في القسوة والعقاب والتفرقة في المعاملة واللامبالاة والإهمال ونبذ الطفل وخاصة من الأم يعتبر من العوامل في بروز تلك الشخصية المنحرفة الدموية.

ومن الأمور المهمة والحيوية والخطرة والتي يجب على الأسرة العاقلة والمدرسة المتفهمة معرفتها لدى الشاب بدايات انخراطه بالإرهاب والفكر الضال والتكفير، ومن أهم هذه النقاط والتي يجب أن تدق ناقوس الخطر للأسرة والمدرسة وإمام المسجد وغيرهم من المهتمين بأمور وحياة ذلك الشاب هي:

- أهم عامل على الإطلاق هو وجود أصدقاء جدد للشاب من أهل الأفكار والرؤى المنحرفة يريد الالتقاء بهم بعيدا عن أسرته ويكن الكثير من الاحترام والتقدير لهؤلاء الأصدقاء الجدد ويخاصم ويقاتل أسرته من أجل هؤلاء الأصدقاء وسمعتهم وعلاقاته بهم.

- كثرة الحديث عن الموت والاستشهاد وأن الحياة لا قيمة لها.

- السرية الكاملة وعدم الرغبة في اطلاع أسرته على مجرى حياته الجديدة.

- جمع الأموال لأمور سرية لا تعرفها أسرته.

- التحدث عن جبهات القتال والحروب.

- الرغبة في تعلم استعمال السلاح وأن السلاح لابد منه ومحاولة إقناع الصغار من أسرته وحيه بذلك.

- الكلام السيئ والبذيء عن الوطن وأن موطن الانسان المسلم هو الإسلام كله ولا يحده حدود.

- إحضار أشرطة ومنشورات مشبوهة تتحدث عن الحروب والقتال.

- الكلام في الكفر وأن المجتمع كافر ويجب حربه والانسلاخ عنه وضرورة الهجرة والبعد عنه.

- السهر المتواصل في أماكن غير معروفة ومع أشخاص غير معروفين من قبل أسرته.

- الرغبة في الحصول على جواز سفر بشكل مفاجئ.

- الهروب والابتعاد عن الأسرة عند تلقيه اتصالات مشبوهة, خاصة من أصدقائه الجدد.

- كثرة الكلام في الحور العين وانتظارهن والشوق للقائهن وأن الحياة الدنيا لا قيمة لها.

- إهمال في الملابس وعدم اهتمام بمظهره الخارجي لأن المهم في هذه المرحلة برأيه الجوهر وليس المظهر.

- التأفف والضيق من أي مناسبة وطنية وان هذا منكر وفساد يجب عدم المشاركة فيه ومن الضروري إنكاره بأي وسيلة كانت.

- النظر للمدرسة والتعليم على أنه من سقط المتاع الزائف وغير الضروري وأن التعليم هدفه تخدير الأمة عن أهدافها السامية الحقيقية.

- كثرة السرحان عند جلوسه مع أسرته مع الأخذ بعين الاعتبار عدم رغبته في الجلوس معهم.

- التركيز على المنكرات التي تعملها أسرته مع انه حتى عهد قريب كان يشارك فيها بكل أريحية.

- الهروب من المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الاسرة المختلفة والاعياد وغيرها من المناسبات الاجتماعية والأسرية.

- إنكار المنكر بطريقة عنيفة وفضة داخل أسرته والتعامل بوحشية ضد أخطاء بسيطة وتافهة.

- محاولة الجلوس مع الأطفال الصغار وتعليمهم أهمية الجهاد وبيان طرق كفر الكافر ووجوب الانسحاب وهجر المجتمع.

- الاستهزاء والسخرية من طرق الأسرة في الترفيه وأن الحياة يجب أن تعلم الخشونة ولا مكان لغير الجاد فيها.

- البقاء في المسجد لأوقات طويلة بعد الصلوات فقط للبعد عن الجو الأسري الغير مريح والخانق له حسب تصوره الجديد.

- النقاشات الحادة داخل المدرسة عن الجهاد والجبهات والكفر والايمان وغيرها من المواضيع التي يخاف حتى أكبر العلماء من الخوض فيها ومناقشتها بكل بساطة وفرض رأيه حتى بالقوة.

- تركيز التعامل لأوقات طويلة بالانترنت لمواقع مشبوهة بعينها والدفاع عنها ووجود معرفات لهذا الشخص وتغريدات بأسماء ومعرفات غالبها وهمي تشكي حال الأمه على حد وصفه.

- الطلب من أسرته خاصة صغار السن مناداته بكنية حركية تعلمها من الإنترنت تبدأ عادة بأبو... وهذه أحد مترادفات المراهقة التكفيرية المنحرفة والقاعدية.

وفي كتاب (المؤمن الصادق لايريك هوفر ترجمة د/غازي القصيبي ) يورد المؤلف كيف تعمل التنظيمات المتطرفة والارهابية وكيف تولد لدى أتباعها الاستعداد للموت، وتولد التطرف والحماسة والأمل المتقد والكراهية وعدم التسامح وتتطلب من إتباعها الإيمان الأعمى والولاء المطلق وذلك بعدد من الاستراتيجيات المهمة والحيوية في التركيبة النفسية للإرهابي:

1 - المعاصي والشعور بالذنب :

تلاؤم مرتكبي المعاصي والذنوب حيث يجد فيها فرصة للتطهير لأنفسهم وممارسة نزعاتهم ومواهبهم. خاصة وأن أسلوب الدعوة إلى الحركة يثير في نفوس الأتباع شعور يماثل شعور التائب. إن الاستسلام التام يعتبر مصدرا حيويا يمد الحركة بطاقة وحدوية قويه، والتضحية كتعبير عن الندم تعبر عن شعور عميق ودفين بالذنب ,ولذلك فإن أول ما تقوم به الحركات العنيفة هو تنمية الشعور بالذنب وتغذيته بكل الوسائل ، فلا يكتفي مثلا بأن حياة الفرد عقيمة وليست ذات قيمه فقط بل يقصف في ذهن العاصي ومرتكب الذنوب أن حياته ملوثه ، وبالتالي جرجرته إلى الاعتراف بكل الأخطاء والذنوب والندم على ذلك وهذا ما يفتح له باب التوبة والخلاص .

2 - الكراهية :

الكراهية هي أكثر العوامل الموحدة شمولا ووضوحا ، تجتذب الكراهية الشخص من نفسه ، وتحرره من الشعور بالغيرة والرغبة في الإنجاز ، وهكذا يصبح الشخص جزءا لا هوية له يتحرق بالرغبة إلى الالتحام بالأجزاء التي تشبهه ، ليكونوا جمهورا شديد الاشتعال .. فما لا تستطيع أن تحققه بالحب يمكن تحقيقه بالكراهية الجماعية ..

3 - احتقار النفس :

يتطلب التضحية بالنفس الإنقاص من النفس، فلكي يصبح الفرد عضوا في جماعة مترابطة، فان عليه أن يتخلى عن الكثير من خصوصياته، وآرائه الشخصية ، وفي الكثير من الحالات عن ممتلكاته. ومن هنا يكون فإن تدريب الفرد على العمل الجماعي يجعله قادرا على إنكار الذات، وبالتالي يزيل الحاجز الصلب الذي يحوله بينه وبين الذوبان بالآخرين هذه قيمة احتقار النفس .

إن آلية غرس الاستعداد للقتال والموت تتكون من فصل الفرد عن نفسه ، ويتحقق ذلك بتذويب الفرد في المجموعة الموحدة المترابطة، بإعطائه نفسا جديدة متخيلة ، بأن تغرس فيه اتجاها إلى احتقار الحاضر وشغفا بالأشياء القادمة التي سوف تجيء بالمستقبل .. وبأن نضع حجابا بينه وبين الحقائق، وبأن نشحنه بالعواطف المتفجرة على نحو يجعل من المستحيل عليه أن يعيش مع نفسه.

4 - احتقار الحاضر:

كذلك تصوير الحاضر على أنه بغيض وبائس، بل أنها تجعله على هذا النحو ، كما أنها تصوغ للفرد وجودا متجهما وقاسيا ومتسلطا ومملا .. وهذه الحركات تدين كل الشهوات والرغبات ووسائل الراحة وتمجد الحياة الصعبة والخشنة، إنها تعد المتعة أمرا تافها ، بل مكروها ، وتعد أي مسعى للحصول على السعادة الشخصية أمرا غير خلاقي ..

أن تستمع بحياتك يعني أنك تهادن العدو الحاضر ، إن الهدف الأساس من إشاعة التقشف والخشونة هو إشاعة الاستخفاف بالحاضر ، عندما يرى الرد خواء حياته وبؤسها، ويقارنها بالطقوس الجماعية المثيرة فانه سيعمد ، بلا شك إلى تأكيد تفاهة حياته وعدم جدواها ومن هنا سرعة إنهاء حياته بأي طريقة يراها قائد الخلية الإرهابية.

5 - الأشياء التي لم تكن:

من العوامل أن المستعد للموت ليس من اجل ما لديه الآن، أو من أجل هويته الحاضرة، بقدر ما يود أن يكون من أجل هويته بالمستقبل، هناك حقيقة محيرة ومزعجة وهي أن الذين يعيشون حياة مليئة ذات قيمة لا يكونون عادة مستعدين للموت، أو من أجل قضية مقدسة، إن التطلع إلى الشيء، لا امتلاكه بالفعل، هو الذي يولد الاندفاع الذي يؤدي إلى التضحية بالنفس.

6 - التطرف .. تحطيم التوازن الداخلي

التغريب عن النفس أمر لا بد منه عند هذه الحركات العنيفة والارهابية، ولا بد من إعداد العجينة وتهيئتها لاعتناق مبدأ الحركة ، يتم في كل الأحوال في جو من المشاعر المشحونة، فإن إثارة المشاعر ليست مجرد وسيلة يمكن فيها عزل الإنسان عن نفسه بطريقة هادئة تخلو من الانفعال، وحده الفرد الذي يتعايش مع نفسه هو القادر على أن ينظر الى العالم من حوله بلا انفعال، عندما تزول حالة التعايش يصبح المرء مجبرا على أن يرفض ويشجب ويسيء الظن في الجميع، ويتحول إلى كائن يكتفي بردود الفعل الطائشة..

إثارة المشاعر الملتهبة في قلوب أتباع الحركات العنيفة والإرهابية تحطم التوازن النفسي الداخلي، كما أنها تقوم باستخدام طرق مباشرة لضمان اغتراب دائم عن النفس، كل هذه الحركات تصف أي وجود مستقل متميز للفرد بأنه وجود عقيم لا معنى له، بل وتذهب إلى اعتباره وجودا منحلا شريرا، الإنسان بمفرده، بائس وملوث وعديم الحيلة، لا يمكن للإنسان الخلاص إلا برفض نفسه والعثور على حياة جديدة من خلال التنظيم.

ومن المعضلات التي تواجه صانع القرار التعامل مع مثل هذه الحالات حيث يجنح البعض بكل عاطفة لإعطائهم الثقة ومن العبث إن نعطيهم الثقة أو الأمان الكامل آملين في إصلاحهم، وذلك لسبب بسيط إن وجدانهم ميت ولهذا لا يوجعهم ضميرهم.. لذلك فهم محتاجون فعلا لفترات طويلة ومكثفة من الحوار وإخراج إفرازات الجماعة الارهابية التي عاثت فسادا في قلب وعقل وعواطف ومشاعر هذا الشاب البائس. ومن العبث فكرة تغيير المنهج بجلسة فهذا الشاب يحتاج لجلسات تناقش وضعه وفكره الديني والاجتماعي والنفسي والاقتصادي والاسري حتي نبعده عن الجو المشحون الذي لازمه لفترة طويلة واثر كثيرا في حياته وواقعه. ومن المهم إشغاله بأي عمل خاصة الاعمال التطوعية لقتل وقت الفراغ. وأهم من ذلك كله إبعاده نهائيا عن جماعته وأصدقائه القدامى الذين أسسوا وبنوا أو بالأصح دمروا وأفسدوا هذه الشخصية البائسة.

- أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة والإرهاب - جامعة القصيم - مستشار أمني

مقالات أخرى للكاتب