09-11-2014

اللعب مع الثعابين

إبان رئاسته لليمن كثيراً ما ردد الرئيس السابق علي عبدالله صالح بأن (إجادته الرقص مع الثعابين أتاحت له حكم اليمن 22 عاماً). الآن، وبعد إخراج علي عبدالله صالح، لا يزال يواصل هوايته بالرقص مع الثعابين، التي أصبحت احترافاً وإدماناً من الرئيس السابق، يصعب عليه التخلي عنه.

والرقص الذي يقصده علي صالح هو قدرته على إبرام التفاهمات والتحالفات مع القوى السياسية والقبلية والمذهبية في اليمن؛ فقد تحالف في البداية مع نفر من شيوخ القبائل الشمالية، وضرب بعضهم ببعض، إلى الحد الذي شق تماسك قبيلته حاشد، وقسمها بين شيوخها آل الأحمر، الذين يمت بقرابة بعيدة لهم. والقرابة لا تحدد علاقة علي صالح بحلفائه وأعدائه من السياسيين وشيوخ القبائل وقادة الجيش؛ ففي آخر أيامه خاض صراعاً دموياً مع غريمه الآخر آل الأحمر اللواء علي محسن الأحمر، الذي يعد الأقرب له؛ كونه أخاه من أمه، إلا أن علي عبدالله صالح لا تؤثر عليه مثل هذه الصلات، خاصة إذا باعدت بينه وبين كرسي الرئاسة. والقصة تتكرر تجاه أكثر من جهة وشخص؛ فقد تحالف مع الرئيس الأسبق لليمن الجنوبية علي سالم البيض وحزبه الحزب الاشتراكي بعد معركة ضم جنوب اليمن، وبعدها أطاح به، وأبعده، ولا يزال طريداً يقيم في بيروت، ثم تحالف مع حزب الإصلاح (حزب الإخوان المسلمين في اليمن)، ووظّف هذا التحالف في إحكام سيطرته في الفترة الثالثة من حكمه، إلا أن تضارب المصالح جعله يفك التحالف مع (الإصلاح) الذين كانوا أكثر الأطراف تحريضاً ومشاركة في تظاهرات الشباب في ميادين التحرير في صنعاء والمحافظات؛ لينتهي التحالف بعداء دموي، وصل إلى حد تدبير عدد من عمليات الاغتيال، كان نصيب علي عبدالله صالح العديد منها.

وبعد نجاح الإخوان والحراك الجنوبي وشباب اليمن والحوثيين في الإطاحة بعلي صالح اتجه إلى أعداء الأمس؛ ليعقد تحالفاً جديداً بين أنصاره من قوات الجيش، التي لا يزال قادتها يدينون بالولاء للرئيس السابق، وبين الحوثيين الذين يرتبط تاريخهم بصدام دامٍ؛ إذ قاتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح الحوثيين، واحتجز كبيرهم والأب الروحي لهم (بدر الحوثي) الذي قضى نحبه في الاحتجاز؛ ليدفن في البداية في صنعاء، ولم يُسلم إلى أنصاره لدفنه في صعدة (معقل الحوثيين) خوفاً من أن يحوله الحوثيون إلى مزار مقدس كعادة نظرائهم. وإلى ما قبل الإطاحة بعلي صالح كان الحوثيون يعدون علي صالح أكبر أعدائهم في اليمن، وأنه مشارك لعلي محسن الأحمر وحزب الإصلاح والقاعدة في أعدائهم المذهبيين، إلا أنه بعد الإطاحة بعلي صالح ومغادرته قصر الرئاسة، وكعادته، استطاع ترويض (ثعبان الحوثيين)، وعَقْد تحالف معهم، غيَّر الكثير من موازين القوى. ومثلما استعان علي عبدالله صالح بالحوثيين لمواجهة خصومه في ثورة الشباب والميادين، والانتقام من خصومه السياسيين من حزب الإصلاح واللواء محسن الأحمر، وحتى رفيقه في مؤسسة الرئاسة والحزب الفريق عبد ربه منصور هادي، استفاد الحوثيون من هذا التحالف الذي أتاح لهم التمدد والسيطرة على معسكرات الجيش، وبخاصة التي تعود إلى قيادة اللواء علي محسن الأحمر، التي تقريباً تشمل جميع وحدات المدرعات في اليمن؛ وهذا ما جعل الحوثيين قوة سياسية وعسكرية، وجعلها تتفوق على جماعات أنصار الشريعة وأنصار حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) والقاعدة. ولأن المعسكرات الأخرى التي يدين قادتها بالولاء لعلي صالح قد تعاونت مع الحوثيين، وسمحت لهم بالوجود في المناطق التي يوجَدون فيها، فإنهم عملياً يعدون أكبر قوة عسكرية في اليمن؛ وهو ما جعل علي عبدالله صالح غير مبالٍ بعقوبات مجلس الأمن الدولي، ولا تهديدات خصومه المحليين، وهو ما ظهر في قرار (فصله) للرئيس الحالي عبد ربه منصور من حزب المؤتمر، الذي يشير إلى أن عبدالله صالح سائر في طريق اللعب مع الثعابين دون الخوف من أن تلدغه في النهاية، وهو ما يتوقعه الكثيرون من تحالفه مع الحوثيين.

jaser@al-jazirah.com.sa

مقالات أخرى للكاتب