12-11-2014

رحل وحنينه باق

في حياتنا شخصيات تبقى في دواخلنا عامرة مهما يمر الزمان وتباعد ما بيننا الأيام، شخصيات تحمل معول حب تحفر بالقلب مغارة ود. منصور بن عبدالرحمن السدرة- يرحمه الله- بواسع رحمته ليس اسما لامعا في المال والأعمال, لكنه كان وجيها في محيطه الاجتماعي بين الأقارب والأصدقاء افتقدناه الأسبوع الماضي بخطأ طبي أدمانا جميعا، خطفه الموت بأيام قلائل وسريعة هذه إرادة الله وقضائه وقدره، حاولت أن أخفي مشاعر الحزن وأتجلد لكني كنت أنهار من الداخل وأستسلم للنزف العاطفي لأني أدرك أن هناك أشخاصا لا يمرون بالعمر إلا مرة واحدة، قد تتكرر السمات والسحن لكن حنينية (منصور) ملبدة بالعاطفة وهبه الله هذه الصفة فكانت الرابط ليس معي بل مع كل من أحبوه، كان قلبه يتسع للجميع للأصدقاء والخصوم وحتى للعابرين، جمعتني به ذاكرات عدة: ذاكرة الحجر والطين في حينا القديم، ذاكرة تنمية بلادنا الأولى العامرة، وذاكرة أهالينا المعطرة برائحة برحي وسكري القصيم، حين كان (هيلي وهيله) أهلي وأهله في خبوب بريدة تلتف حولها بكل لين رمال الغميس ورمال صعافيق لتجعل منها قرى زراعية مخضرة تنبت النخل وفاكهة الأرض، وذاكرة الرياض المدينة والناس التي أحببناها بلا تحفظ ولا قيود، الرياض التي أحبها (منصور) وأحب ناسها وعاش بها بكل تفاصيلها يرقبها وهي تنمو كأسرع المدن, يحفظ أسماء شوارعها ويعرف شخصياتها ووجهاءها ويحتفظ بصداقات لا حدود لها، كان يعشق الرياض لأنها جمعته بأقاربه وأصدقائه وأناس تعامل معهم بمعيار الذهب، وذاكرة أخرى لركن قصي في أعماقي لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة كان يحضنه بحرارة صادقة لأن كلاهما يصل إلى حبل المحبة الدفين في الدواخل ويقول له هذا الطفل (الاحتياجي) عبارة ماطرة ومثقلة بالصدق والمحبة: (أخي ماما كبير) يقصد شقيق أمي الأكبر، قالها بمشاعر طفل لا يقوى على الكلام وهو صادق أنه أخ كبير بسجله وتاريخه مع محيطه من عائلته وأهله وأصدقائه وكل من عرف (أبو عبدالرحمن) الذي عاش للآخرين، فكان يعتني بمن حوله أكثر من عنايته بنفسه، جعل من قلبه نهرا يفيض على الآخرين، ورحل- يرحمه الله- وهو قد شد وثاق محبتنا، واطمأن على أن مشاعرنا الرطبة ابتلت بالمحبة وبأن رباط حبلنا السري مشدود تجاه بعضنا.

مثل منصور- يرحمه الله- الكثيرون في مجتمعنا يعملون من أجل الآخرين لكننا لا (نتبينهم) إلا عندما يرحلون عنا ويأتون الناس قوافل للعزاء, نلتفت إليهم وقد غادروا الدنيا، فمن كان في محيط بيته أو أسرته أو من أصدقائه صاحب قلب يحب ويعمل للآخرين عليه أن يعتني به ويرطب حياته بالدعاء والحنان ولمسات الشكر والوفاء, فمثل هؤلاء أكرمنا الله بهم ليعملوا من أجلنا.

مقالات أخرى للكاتب