وطننا أمانة: أين كنتم قبل الانفجار؟

د. طلال بن سليمان الحربي

بعد الأحداث المؤلمة التي عشناها مؤخراً فيما يتعلَّق بتلك الفئة الآثمة التي خرجت على الشرع والنظام والأخلاق بالاعتداء على الآمنين في الدالوة الأسبوع الماضي وما اتبعه من دفعة جديدة من شهداء الوطن والواجب الذي أرخصوا أرواحهم فداءً لدينهم ووطنهم، ليست بالشعارات ولا بالمزايدات إذ إنه لا يمكن لأي عاقل يعلم شريعة الله عزَّ وجلَّ أن يقبل هذا التصرف والإجرام والإرهاب، مهما كانت الأسباب والمبررات لا خروج على الدولة ولا على النظام والقانون، فكيف إن كان القانون منبعه الشريعة السمحة المؤيّدة لعاداتنا وتقاليدنا الطبيعة التي تسير وفق النهج الأخلاقي العام، لا يوجد سبب واحد يمكن أن يؤخذ بعيون العقل والمنطق ليسفك مواطن دم مواطن آخر، فكيف إن كانت الغاية إثارة الفتنة، لا للطائفية بكل صورها والدولة هي الرداء العام للجميع مهما كان مذهبك فإن خرجت عن رداء الدولة فعليك الجزاء وخرجت عن العهد بالأمن والأمان كمواطن وكإنسان.

غير أنه علينا أيضاً ونحن نستنكر ونشجب ونرفض أن نسأل أنفسنا: ماذا قدَّمنا للوطن في سبيل لحمته وتعاضده، أين كنا وهؤلاء الفئة الضالة يتنقلون بيننا، الأمر ليس من باب المسؤولين عن الأمن لأن هؤلاء لم يرتكبوا جنحة أو جناية حتى يوقفهم الأمن، هؤلاء عاشوا في الظلام ونفذوا في الظلام، لكن ما دورنا قبل انحرافهم وانجرافهم وراء الخطأ، كم نحن بارعون في التحليل بعد وقوع الحدث، كم نحن متمرسون في ردود الأفعال لكننا سلبيون في صناعتها، تلك الموجة من الرفض على الرغم من أنها مقبولة في شكلها إلا أنها مرفوضة ببعض مضامينها، لا يوجد ما يُسمى تصعيداً وشحناً ولا يجوز ربط الشامي بالمغربي انتهازاً للفرصة والإساءة إلى العام من بعض المنحرف في الخاص.

كثيرة هي تلك الحملات الوطنية التي كان جل هدفها ترسيخ روح العمل الوطني والانضباطية بالأسس المجتمعية وحب الوطن والسعي للمحافظة على أمنه وأمانه ونمائه، آخرها وليس أخيرها حملة وطننا أمانة، كم بح صوتنا وأرهقت أيدينا ونحن نحث الجميع على التفاعل والعمل بروح الفريق الواحد، من قطاع حكومي أو خاص، مؤسسات وأفراداً، برامج طرحت من هنا وأفكار قدّمت من هناك، والتوهان بين أعضاء مجلس الإدارة وبين مخططنا لهذا العام وبين نحن عملنا حملة وطنية ووزعنا أعلام المملكة في بعض المدارس، لكن حين تقع القنبلة ما أكثرهم وهم يسلخون وينتقدون ويجرحون.

أين كنتم والعمل في ترشيد الفكر الوطني كان على قدم وساق، إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم، كم هم الكتّاب والمحلّلين والمفكّرين الذين تفننوا في توجيه الانتقدات وإطلاق شعارات الرفض والاستنكار، وكأنه واجب عليهم أداؤه وانتهى، أين كنتم بحماسكم هذا والوقت كان يتسع لمنع حدوث الفاجعة، نعم الوقت ما زال متوفر لأن مسيرة الشرفاء الغيورين على وطنهم لن يوقفها شيء، فهل أيها المستنكرون الشاجبون ستعودون إلى نومكم حتى تسمعوا بفاجعة جديدة، أم ستنضمون وتشاركون في التوعية والتثقيف وخدمة الصالح العام.

أبدعتم بردة الفعل فهل تبدعون بصناعة الفعل نفسه، أعداؤنا ليس فقط من يفجرون ويطلقون النار، بل عدونا الرئيسي هو صمتنا وسلبيتنا، بعد توفيق الله ورعايته فإن خط دفاعنا الأول لأمننا وأماننا هو تلاحمنا وتعاوننا، غير أن النائمين لا يصنعون شيئاً سوى ازعاجنا بشخيرهم، رحم الله شهداء الوطن والحق والواجب وحمى الله وطننا الحبيب وسدد على طريق الخير والصلاح خطى قيادتنا الرشيدة.