حتى نتلافى سقوط أبنائنا ضحايا لأفكارهم

العنف ضد الطفل وفقدانه الأمان والاستقرار أقرب السبل لصناعة إرهابي

طالعنا في العدد رقم 15382 من صحيفة الجزيرة مقالا مهما للكاتب د. يوسف بن أحمد الرميح، يقدم فيه تحليلاً للشخصية الإرهابية استهله بمقولة للمفكر الهندي «مهاتما غاندي» عام 1920 ذكر فيها أن «الارهاب هو سلاح الضعفاء وليس سلاح الأقوياء». وتطرق الكاتب لتنظيم القاعدة وتنظيم (داعش) واصفاً إياه التنظيم الأكثر دموية وفتكا، «حيث تمكن هذا التنظيم من غرس فكرة مهمة وخطيرة في عقول عناصره وهي الكراهية والحقد، والتي تعني إعدام كلّ مظاهر الحياة ورموزها الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والإعلامية والعسكرية. فاليوم أصبحت الشخصية الداعشية هي خلاصة مركّزة للشخصية الإرهابية القاعدية الكلاسيكية».

وأشار الكاتب إلى أن «الشخصية الإرهابية تعتبر شخصية شاذة ومريضة بناءً على التحديد الواضح لخصائصها التي تخضع للتفسيرات العلمية، ولها مجموعة خصائص وصفات يمكن إجمالها بالعنف الوحشي البربري الذي يشكّل محور هذه الشخصية الخطيرة والمهددة لسلامة المجتمع وأفراده». مشيراً أيضاً إلى أنه «على الرغم مما تشهده هذه التنظيمات من تقدم وتحول وتقاطع مصالح إلا أن دراسة الشخصية الإرهابية والأبحاث في مجال الإرهاب والسلوك الإرهابي تعد قليلة جدا على مستوى العالم بل تكاد تكون معدومة».

ثم طرح الكاتب السؤال الذي نرى فيه بيت القصيد وهو: «كيف يتم إعداد وصناعة الإرهابي الذي يستبيح القتل لمجرد القتل؟ وكيف يمكن صناعة انسان فاقد التفكير عديم الإنسانية.. وكيف تتم السيطرة عليه الي حد اقناعه بالانتحار في سبيل نشر الموت والدمار في كل أنحاء الوطن؟»

ويضع الكاتب في ثنايا إجابته هذا السؤال يده على نقطة بالغة الخطورة هي «أن أهم ما يميز الخلايا الارهابية هو غياب النسيج المجتمعي المساند، مما يولد لديه (الشخص الإرهابي) الرغبة في الانضمام والانتماء لمجموعة تكسبه نوعا من احترام الذات والهوية، والرغبة في الثورة على نظام المجتمع، والرغبة في الحماية من المجتمع الذي يشعر أنه ظلمه، وحب المغامرة والمخاطر والتجديد، ويعزز الراديكالية الإحباط والفشل والبطالة وعدم وجود الحافز للتقدم ذلكم الشعور».

وأود أن أتوقف عند هذه الجزئية الأخيرة إلى الممارسات التربوية التي قد تجعل من أبنائنا إرهابيين في المستقبل وأبرزها العنف ضد الأطفال والأجواء الأسرية غير الآمنة وغير المستقرة التي تصل بنا إلى ما زصفه الدكتور الرميح بقوله «غياب النسيج المجتمعي المساند ... الرغبة في الانضمام والانتماء لمجموعة تكسبه نوعا من احترام الذات والهوية ... الرغبة في الحماية من المجتمع الذي يشعر أنه ظلمه».

فالعنف ضد الاطفال واحد من اكثر المشكلات التي تؤرق العالم في الوقت الراهن، في ظل التزايد الرهيب في اعداد الاطفال ضحايا هذا العنف.

وتعرف الدراسات المتخصصة في الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا العنف بأنه اي اصابة جسمية او نفسية او عقلية او عدم رعاية الاطفال والمراهقين تحت سن 18 عاما من قبل شخص يعتبر مسؤولا عنهم وعن صحتهم، ويمثل اهمال الطفل الجانب الاكبر من صور واشكال العنف ضد الاطفال، والمنتشرة في جميع انحاء العالم تقريبا.

ومن اسباب العنف ضد الاطفال، النفسية المريضة للاهل خاصة الوالد، الذي ربما يكون هو نفسه قد تعرض لاضطهاد او عنف في طفولته فيعيد الكرة على طفله، معتبرا ان ذلك شيء طبيعي في الحياة، كما ان المجتمع بضغوطه قد يعكس آثاره السيئة على الوالد، فينزل مشاكله واحزانه وتوتره على طفله، فمثلا الاب الذي ليس لديه عمل او مورد كاف لاطفال قد يفجر غضبه بطفله، وهناك ايضا مشكلة الخمور والمخدرات التي تصيب الاهل بالعدوانية.. ومن اسباب العنف ضد الاطفال، التناحر بين الزوجين وعدم وجود روابط قوية بينهما، او مع المحيطين بهم.

ومن الاسباب الاكثر شيوعا للعنف ضد الاطفال في مجتمعاتنا العربية، قلة الوعي والدراية بالفرق بين ضرب واهانة الطفل وتأديبه، كأن تشاهد اطفالا صغارا اقل من عامين يضربون بشدة لانهم لعبوا بشيء من البضائع في الاسواق، وينسى اهل هؤلاء الاطفال ان اولادهم في هذه السن لا يعرفون ان هذا الشيء ليس ملكه، وانه يمارس حب الاستطلاع، الذي يميز هذه المرحلة من العمر، كما ان غياب الاهل عن البيت وترك مسؤولية الطفل للخادمة، يجعل الطفل لا يفهم لماذا يجب ان يطيع اباه او امه، وهو لا يشاهده الا في اوقات قليلة لا تكفي لان يفترض فيه ان يعرف انه ابوه.

وإن مبادئ التربية السليمة تتبع اساليب الثواب والعقاب من خلال الترغيب والترهيب والثواب بالمكافآت والثناء والمدح، اما اذا اخطأ الطفل وتكرر هذا الخطأ، فالعقاب لا يجب ان يتجاوز حجم الخطأ، ويكون بحرمان الطفل المؤقت من اشياء يحبها، او توجيه نظرة حادة او الامتناع عن التحدث معه لبعض الوقت، ولا يتم اللجوء للضرب الا كحل اخير، ولهذا شروط لا يجب تجاوزها، فلابد ان يكون الطفل مميزا للصواب والخطأ، ومصرا على الخطأ، ولا يكون ضربا مؤذيا او في الاماكن المؤذية كالبطن والصدر والوجه.

إذن لا بد من تفعيل دور المؤسسات الحكومية والاهلية والاعلام والعلماء والاطباء والمعلمين والمعلمات في التعريف بمخاطر العنف ضد الاطفال، وتوجيه الآباء لاساليب التربية الصحيحة، من خلال برامج توعوية، بالاستعانة بالمختصين في مجالات التربيـة وطب الاطفال والطب النفسي، لحماية المستقبل الذي يشكل الاطفال دعامته الرئيسية، هذا أحد السبل التي علينا ارتيادها بكثافة وأيضاً بسرعة حتى نتلافى سقوط المزيد من أبنائنا ضحايا لمنظري هذه المنظمات.

عبدالعزيز الحمود - إخصائي اجتماعي