عبدالله القصبي حين ودعنا

كم كانت لحظات من الحزن تملكتنا ونحن نسمع خبر رحيل المرحوم بإذن الله الشيخ عبدالله بن عثمان القصبي إلى دار الحق عند رب العزة, الرحمة نطلبها لكل أموات المسلمين لكنها لعبدالله القصبي واجبة مستحقة, في الحديث عن هذه القامة السعودية جوانب عدة يلعب على أوتارها الزمن بمراحله, عبدالله القصبي حين كان معنا وعبدالله القصبي حين رحل وعبدالله القصبي بعد الرحيل, في مثل هذه الرجالات الوطنية دائما ما يكون القلم متحفزا راغبا في الكتابة, لكنه الموت بحضرته وهيبته ما يجعلنا نشفق على الحروف فبين ما تشكله من كلمات عن راحل وعن باق, رحل الجسد وعادت الروح إلى باريها وبقي العمل والثمار لنقطفها, نعم ينقطع ابن آدم عن الدنيا كلها عند وفاته إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له وكلنا أولادك في الخير ومحبة الوطن والإيمان بالله يا عبدالله, وعلم ينتفع به وهذا ما نحن اليوم لنشهد عليه, وصدقة جارية فتلك بينك وبين ربك هو أعلم بك رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه.

تلك العصامية التي عاش بها الراحل والانضباطية في تحقيق المصلحة العامة مع إنكار الذات لأجل الكل, علما وعملا وأدبا وخلقا, قالوا فيه: إنه محارب الإعلام الأسود الهدام, نعم لأن الطيب لا ينتج عنه إلا طيب, قالوا عنه إنه خسارة وبالتأكيد فمثله من يقال عنه كذلك, قالوا عنه رائد التنمية الاقتصادية الوطنية, وتلك الإنجازات تشهد له, لكني أقول عنه دون مزايدة إنه قدم ما تستحقه الأمانة التي حملها وأتم الرسالة التي أنارت دروبا وحصنت عقولا وأثرت المكتبة الوطنية للتاريخ العربي, نعم قريب جدا أنا من أن أكتب أن القصبي لم يرحل, لكن لا لا أعاند بل أقول رحل القصبي رحل كما شاء الله له ولكل نفس بشرية بأن موعدها مع الرحيل دائما, رحل القصبي غير أن الرحيل كان جميلا, رحيل الكبار الذين تخضع لهم هامات الكلمات بالرحمة وطلب المغفرة, رحيل القدر المكتوب علينا جيمعا, رحل القصبي إلا أنه أبى إلا أن يجعل من رحيله انطلاقة جديدة لقصبي جديد يسير على الدرب ويتبع النهج ليخدم الوطن وليكون الاقتداء بمن رحل واجبا بل فرض عين.لهذا نكتب عنه اليوم ونسطر حروفنا, لنقول: إن في كل واحد من أجيالنا القادمة قصبي جديد ومشروع هامة وطنية جديدة, هنا تأتي أمانتنا ودورنا في أن نقدم لهذه الأجيال مثل هذه السير, لنقول لهم: إن مثل القصبي ولدوا في زمن التحدي وعاشوا التحدي وانتصروا بالتحدي, لنقول: إن بمثل القصبي وصلنا اليوم إلى ما نحن عليه, لنقول: إنه القصبي ورفاقه لم يكونوا يعملون لذاتهم ويومهم, بل في كل خطوة خطوها كانت عين لهم على حاضرهم وعين لهم على مستقبلهم الذي هو أنتم, بمثل القصبي نهتدي في خدمة الصالح العام, رحل القصبي لكنكم أنتم ما زلتم باقون, فهل من متعلم مستفيد.

عزاؤنا لأنفسنا أولا ومن ثم لأبنائه جميعا ولأهله وأصدقائه, وكلنا معا نعزي به الوطن الذي هو أكثر من يعلم كيف كانت الرحلة صعبة والنجاح جميلا, نعم رحل القصبي وأبت رحمة ربه إلا أن يودعنا بطيب أعماله وما تركه لنا من معين خير ننهل منه.

- د. طلال بن سليمان الحربي

alharbit@gmail.com