محمد بن عبدالله آل شملان

محمد بن عبدالله آل شملان

الأحساء .. في مشاهد لا تخلو من دلالات

16-11-2014

الوحدة الوطنية محروسة ومحاولات إثارة الفتن الطائفية وخلق الصراعات المذهبية مآلها الانهزام والخسارة

الأستاذ رئيس تحرير صحيفة الجزيرة المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لا تزال صحيفتكم وصحيفتنا الغالية منبرًا للوطن في وقت عزّ فيه لها مثيل، ونصيرة الكلمة والموقف. حياكم الله، وحيا أسرة تحرير الصحيفة، وكتبة الأبواب الثابتة.

لقد تابعت بكل تقدير وإعجاب ما نشرته هذه الصحيفة الأثيرة الغراء بخصوص وصف المشاهد التي أعقبت الجريمة البشعة والاعتداء الإرهابي الآثم الجبان التي قام بها فئة أغواها الشيطان واستهدفت حسينية المصطفى بقرية الدالوة في محافظة الأحساء مساء يوم الاثنين الموافق 10 - 1 - 1436هـ الموافق 1 نوفمبر 2014م. التي كانت معها صحيفتكم لحظة بلحظة سواء بالمواد أو التغطيات أو الصور أو الرصد أو المتابعة الصحفية، ابتداء من قطع صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز أمير المنطقة الشرقية ـ سلمه الله ـ رحلته للفحوصات الطبية في الخارج، عائدًا إلى الوطن، وزياراته برفقة صاحب السمو الأمير جلوي بن عبد العزيز بن مساعد نائب أمير المنطقة الشرقية، وصاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي محافظ الأحساء؛ لتعزية ذوي الضحايا. وتأكيداته البالغة الدلالة في أن ما حدث في قرية الدالوة في محافظة الأحساء يؤلم الجميع، وأن القيادة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي العهد وسمو ولي ولي العهد أشد ألمًا منهم، لأن كل فرد من أفراد هذه البلاد هو ابن لهم، والضحايا أبناؤنا وإخواننا. ومرورًا بالرحلات المكوكية لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود وزير الداخلية -حفظه الله- ورعاهـ لكل من الأحساء وبريدة وعنيزة وحائل، الذي واسى فيها ذوي المغدورين، وتفقده المصابين، والاطمئنان على سلامتهم، ونقل تعازي ومواساة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو ولي ولي العهد - حفظهم الله - إلى أسرة وذوي شهيدي الواجب النقيب محمد بن حمد العنزي والعريف تركي رشيد الرشيد. وكذلك اطمئنانه على رجال الأمن الثلاثة الذين يتلقون العلاج بمستشفى بريدة التخصصي المصابين في واقعة استراحة حي المعلمين ببريدة. حيث لم تخل من تجديد التأكيد على الثوابت الوطنية، ومنها أن سلامة وأمن أبناء الوطن واجب مقدس، ويحرص عليه كل فرد من رجال الأمن، في ظل توجيهات القيادة الحكيمة، ودعمها اللا محدود لأجهزة الأمن لأداء واجبها المقدس والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن وأهله.

كما وقفت على استطلاعات الشجب والاستنكار واستشعار الألم من تبعات هذا العمل الإجرامي البشع الذي ضج معه الوطن من أقصاه إلى أقصاه من قبل جميع المشائخ والعلماء والمسؤولين والمثقفين والوجهاء والأعيان والمواطنين داخل محافظة الأحساء وخارجها. وكذلك جهود الأجهزة الأمنية واهتمامها بالحادثة وتطويقها والوصول إلى الجناة في وقت قياسي وسريع في أكثر من منطقة من مناطق ومحافظات المملكة.

وتابعت آخر المشاهد في مشاركة أكثر من 70 ألف مواطن من الأحساء ومن مختلف مناطق المملكة بمختلف مذاهبهم يوم الجمعة الماضي في تشييع جثامين المواطنين الذين قضوا في ذلك الحادث الإرهابي. وما صاحب حملة التشييع من نعوش الشهداء التي لفت بعلم المملكة الذي يحمل راية التوحيد، وحولهم المشيعين الذي رددوا بصوت واحد هتافات وطنية وتعزز اللحمة بين شرائح المجتمع.

دلالات كثيرة اتسمت بها تلك المشاهد؛ ولعله ليس جديدًا حين نقول: إن الكثير من أعداء هذا الوطن ما زالوا يغرقون في أمانيهم وأحلامهم في أن تعود عجلة الزمن إلى الوراء ثانية.. وهذا هو التحدي الذي بيرز عظمة الوحدة الوطنية وقوتها اليوم!

ومثل هؤلاء وغيرهم ينسون أن أجيال هذا الوطن تمتلك من قوة الذاكرة وعمق الوعي ما يكفي لتجسد أمام ناظريها في كل حين تلك المآسي والعذابات الطويلة، التي عاشها الآباء والأجداد قبل توحيد المملكة في عهد الظلام. التي يسعى هؤلاء لجرجرة هذه الأجيال إلى مزالق شبيهة بها عبر مختلف السبل مستغلين الطيبة المتسامحة لمجتمعنا القائم بنيانه على التعايش والتسامح والسلام..

وفي اعتقادي أن مثل هؤلاء يظلون أشد خطرًا على الوحدة الوطنية من كل المعارك التي خاضتها قتالاً.. فالعدو في تلك الحالات كان واضحًا وغير مستتر لأبناء الوطن.. أما هذا النوع من العداء فهو لا يتردد أن يجهز على الوحدة الوطنية وهو يتقمص قميصها زورًا وبهتانًا.. وهو أمر ينبغي التنبه له وإدراك مخاطره وتوعية الأجيال به.

في أكثر من مناسبة، تجدد قيادة هذا الوطن الراشد ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ـ ألبسه الله لباس الصحة والعافية ـ وبمعاضدة ودعم ومؤازرة سمو ولي عهده الأمين سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز وولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز ـ حفظهم الله ـ، بأن الوطن يتسع للجميع، وأن للجميع حقوق المواطنة، وأن اهتماماته تنصب على المواطن بلا محاباة ولا تمايز، حتى لو اختلف مذهبه أو منطقته أو نسبه أو مهنته، غير أن بعضًا ممن يعمل في الظلام وينفذ أجندات خارجية ظلوا يكابرون ويواصلون تعنتهم اتجاه الوطن ويحاولون زعزعة الاستقرار في جسده، باستهداف الأمن والسلم المجتمعيين وإقلاق السكينة العامة، وافتعال وتأجيج بعض أعمال الفتنة والقتل والتخريب، والعبث على وتر الطائفية وإنتاج مزيد من البغضاء والحقد، وتحويل الحياة إلى خراب والنيل من الاستقرار الوطني، وتحويل الوطن إلى بؤرة صراع لا تهدأ أو تنام.

لقد غاب عن هؤلاء الثلة الإرهابية أن الوحدة محروسة وراسخة بعناية الله وتمسك أبناء هذا الوطن العملاق، وأن محاولات إثارة الفتن الطائفية وخلق الصراعات المذهبية مآلها الانهزام والخسارة، لأن إيمان أبناء الوطن بالمسلمات والثوابت الوطنية ومكتسبات الوحدة وتطبيق الشريعة الإسلامية أكبر من أن يطالها الأقزام والعملاء والمتاجرون بتفتيت الوطن وشق اللحمة الوطنية.

لقد غاب عن مثيري الفتن الطائفية والاختلاف الاجتماعي أن أبناء هذا الوطن سنة وشيعة لن يرحموهم وسيلقنوهم دروسًا بالغة الدلالة، وعليهم أن يتذكروا باستمرار أن المساس بأمن الوطن واستقراره أو تقويض أسس هذا الوطن الماجد عصي على كل حاقد أو متربص وراسخ رسوخ الجبال الشماء الشامخة، وأنهم لن يصلوا لأهدافهم الرخيصة. ولن يخرقوا اللحمة الوطنية والترابط الاجتماعي للمجتمع السعودي.

إننا نعيش في زمن تلح على الجميع مسؤوليات متعددة، على رأسها الإصرار على تنحية كل وسائل التوترات التي تصعد من الشقاق وتفرق الصف، وتعزيز وسائل وأسباب وحدتنا الفاعلة والمؤثرة في ساحات المعترك الحياتي الذي يعيشه العالم، معترك الصراع الذي يتحول على المستوى العالمي باطراد إلى جبهة الصراع بين الشيعة والسنة، المدفوع من جهات خارجية لتنفيذ أجندة يهمها، في هذا الوقت الذي تصبح الساحة الاحترازية فيه هي جبهة الدفاع الأولى في هذا الصراع، بل ربما أصبح وجودنا في الجغرافيا والتاريخ مرهونًا في المقام الأول بحفاظنا على تلاحمنا الوطني وتوحدنا الأصيل وثوابتنا التي هي أساس وجودنا، وذلك من خلال إصدار نظام يكون قارب النجاة في خضم معترك أمواج الرغبات المذهبية يندرج في إطار الأفعال المسيئة للوحدة الوطنية، ينص على تشديد العقوبة ضد كل من يحاول الإساءة للوحدة والوقوف ضد كل التطييفات التي تمزق نسيجنا الاجتماعي أو الترويج لأفكار من شأنها التأثير على وحدة المجتمع وأمنه وتماسكه واستقراره، بإثارة النعرات المذهبية وثقافة اللعن والكراهية والدعوات المؤججة للفتن الطائفية ونشر المواجهات والأحقاد بين أبناء الوطن؛ وحينها سيكون مصيرهم كمصير من سبقهم من العملاء والحاقدين على أبناء هذا الوطن الواحد المتوحد المتقدم المزدهر الآمن.. مزبلة التاريخ التي تليق بهم وبأمثالهم.

وأخيرًا: كلنا دعاء بأن يرحم الله شهداءنا من المواطنين ورجال الأمن وأن يربط على جروح قلوب أسرهم وذويهم، وأن يشافي المصابين منهم الشفاء التام، وأن يحمي الله وطننا من مكر الماكرين، وكيد الكائدين، كما نسأله أن يحفظ ولاة أمرنا، ويديم علينا الأمن والأمان والعزة والشموخ، وأن يفضح كل معتد أثيم وحاقد شرير، وأن يحفظ سائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه. إنه وكيل ذلك والقادر عليه.

Twitter: @alshamlan641

مدير الإعلام التربوي بإدارة التربية والتعليم بمحافظة وادي الدواسر

مقالات أخرى للكاتب