16-11-2014

سماعة الطبيب و(الكلاشينكوف)

لفت انتباهي عنوان صحفي نشرته صحيفة الحياة، يقول بأن «داعش يستهدف المبتعثين السعوديين بحملة إعلامية منظمة»، تضمن تحذيرات طلاب سعوديين لزملائهم، من الرسائل الإلكترونية التي يغرق فيها التنظيم أبناءنا، وكذلك المطبوعات والإصدارات التي يصدرها تنظيم داعش، ولعل وجود صورة المبتعث محمد السحيمي على غلاف مجلة داعش، هو أكبر تحريض لأبنائنا السعوديين المبتعثين في مختلف دول العالم!

ففي الوقت الذي بالغ فيه البعض في إعلامنا، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، من الخوف على أبنائنا مما أسموه (التغريب) وتأثرهم من ثقافة الغرب، جاء الجواب من التنظيمات المتطرفة، بتضليل هؤلاء الشباب وجذبهم من مراكز العلم والمعرفة والتنوير، إلى مراكز التطرف والصراع والظلام، صحيح أنه - ولله الحمد - لم يتأثر ويترك مقاعد الدراسة سوى طلاب لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، إلا أن استبسال هذه التنظيمات المتطرفة في التغرير بشبابنا الذين دفعت عليهم الدولة الأموال، من أجل تعليمهم وتثقيفهم وتنويرهم، هو أمر يجب التنبه له، والتحذير منه، ومتابعة هؤلاء الطلاب عبر الملحقيات الثقافية في مختلف دول العالم.

صحيح أننا نجحنا بامتياز في ضرب التيارات المتشددة على المستوى الأمني، ونمتلك القدرة على كشف هذه التنظيمات حتى قبل ممارستها لأنشطتها، وتمكنا أمنياً من وأد الإرهاب مبكراً في حالات متعددة، وهذا أمر مهم وإيجابي، لكن الأهم هو كيف نوقف تناسل هؤلاء المتطرفين، كيف نتجه بالمجتمع نحو الاعتدال، كيف تستطيع الجهات المختلفة من إشاعة فكر الاعتدال، وتعزيز ثقافة الإسلام المعتدل والمتسامح، وتعزيز قيم التعايش مع المذاهب والأديان والشعوب المختلفة، وهو ما تفتقده مؤسسات التعليم والإعلام لدينا، التي وإن تمكنت نسبياً - خاصة التعليم - إلا أنها ما زالت بحاجة إلى الكثير من العمل والتطوير!

كتبنا مراراً، بأن إخراج المجتمع من أزمة التشدد في الفكر، هي إشاعة الفنون والآداب في مختلف مناحي الحياة، فإعادة المسرح إلى المدارس، في مختلف مراحلها، بات أمراً ضرورياً، جعل مقررات الفنون، من فن تشكيلي ونحت وفوتوغراف، ضمن مقررات الطلبة بجميع مراحل التعليم العام، بل حتى حضور الأفلام، سواء التعليمية أو الوثائقية، هو أمر مهم، ولا يرتبط الأمر داخل أسوار المدارس، بل حتى في المجتمع، لا أجد مبررا واحدا يمنع إنشاء دور السينما في مختلف المدن السعودية، وإعادة المسارح التي كانت حاضرة في الثمانينيات، ودعمها من قبل الجهات المختصة، كوزارة الثقافة والإعلام.

نحن لن نتمكن من التخفف من التطرف، وعداء الآخر، بل وحتى التحريض المذهبي والقبلي بين أبناء المجتمع الذي قد يظهر على السطح، إلا بالثقافة والآداب والفنون، إشاعة الثقافة وبناء المراكز الثقافية داخل الأحياء، بكل ما تحتويه من مكتبات ومسارح ومتاحف وسينما، هو ما سيعيد تركيب خارطة المجتمع، إلى الوضع الطبيعي الإنساني الذي نجده في كل مجتمعات الأرض وشعوبها!

إن لم نفعل ذلك، فمن السهل اختراقنا، والتغرير بشبابنا، حتى ممن نبتعثهم، ونصرف عليهم الملايين، كي يعودوا للبلاد بعلم وثقافة جديدة، نجدهم ببساطة يتركون قاعات المحاضرات، والمختبرات، والمستشفيات، ويبثون صورهم مبتسمين وهم يحملون (الكلاشينكوف) بدلا من سماعة الطبيب.

مقالات أخرى للكاتب