19-11-2014

حتى لا تتكرر قضية شركة المعجل

أعلنت هيئة السوق المالية، أنها رفعت قضية ضد أعضاء مجلس إدارة شركة المعجل، وكذلك على بعض كبار التنفيذيين فيها والمحاسبين القانونيين للشركة خلال الفترة ما بين 2008 إلى 2011 م، أي فترة الاكتتاب بأسهم الشركة إلى أن بدأت تظهر المشاكل التشغيلية بالشركة وتفاقمت معها خسائرها، بعد أن كانت بداياتها بعد الإدراج بإعلانات عن نتائج تدلل على تحقيق أرباح عالية، بل إنها عند الاكتتاب كانت ربحية السهم ما يقارب 6 ريالات.

وقامت الشركة برفع رأسمالها بمنح ربع سهم، مما أعطى انطباعاً مطمئناً على أوضاع الشركة، وهو ما تبين لاحقاً أنه غير دقيق، وأدى بنهاية المطاف إلى تحقيقها خسائر ابتلعت رأسمالها بمرتين، وتم إيقاف التداول على أسهم الشركة منذ أكثر من عامين، ولم تتمكن من تعديل أوضاعها إلى الآن حتى تتضح الرؤية حول استمرارها من عدمه.

وقد قامت الشركة بإعلان توضيحي حول القضية المرفوعة بأنها ضد أشخاص وليست ضد الشركة، ومعروف أن الكيان يختلف في المسئولية عن إدارته، فأي تضليل أو خلل أو تلاعب يكون بفعل أشخاص، وهذا ما تم إيضاحه بدعوى هيئة السوق، لأن الشركة ملك للمساهمين، وهؤلاء هم ضحايا ما حدث بالشركة بسبب مخالفات أدت بها لوضعها الحالي الكارثي، وسيحاسبون على تصرفاتهم في حال ثبت علاقتهم بالضرر الذي لحق بالشركة، ولكن هل المشكلة هي استثنائية أي قد لا تتكرر بشركات أخرى، وهل هناك أنظمة يفترض تطويرها حتى لا تتكرر المشكلة مستقبلاً؟

ففي عالم أسواق المال، تحدث مثل هذه الإشكاليات كثيراً، حتى في أكبر الأسواق ولكن يتم الحد من ضررها بإجراءات مسبقة تضيّق الخناق على أي شخص أو جهة تتسبب بخسائر على المستثمرين، ومن يتابع الأسواق العالمية يقرأ دائماً أخباراً تفيد بتغريم جهات مالية ومحاسبية وأشخاص بمبالغ ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات، إذا ثبت دورهم بإضرار المساهمين.

لكن حتى لا تتكرر قضية شركة المعجل، خصوصاً في منع أو الحد من وقوع الأضرار على المساهمين، لا بد من معالجات جذرية لنمط إدارة وطرح الاكتتابات، وأول هذه الإجراءات تنطلق من إعادة فهم حاجتنا لسوق المال، بما يخص اقتصادنا واحتياجاته، فنحن نعتمد على إيرادات النفط بنسبة تفوق 90 بالمائة من إيرادات الخزينة العامة، وتأثير تلك الأموال كبير جداً بالنشاط الاقتصادي، ولذلك فإن أهمية سوق المال تكون باستثمار الأموال التي تدخل الاقتصاد بما يحقق أفضل توظيف لها، لأنها تأتي من ثروة ناضبة حتى لو بعد مائة سنة، لأن اقتصادنا ما زال يستورد الكثير من السلع والخدمات، وبحاجة لتوفير مئات الآلاف من فرص العمل الجيدة... إلخ من الاحتياجات التي تسعى خطط التنمية لتحقيقها، فلا يمكن تطبيق طرق الاكتتاب من حيث أهدافها الاقتصادية لدينا كما هو معمول به بأسواق عالمية واقتصاديات كبرى، لاختلاف كبير بين احتياجاتنا واحتياجاتهم.

ولذلك لا بد بهذا المفهوم أن تُلغى بداية طرق الاكتتابات بأسلوب التخارج، أي بيع حصة من المؤسسين بالسوق على المكتتبين، وهو ما طرحه الكثير من المتخصصين بالأسواق المالية منذ سنوات.. فالأفضل أن يتم طرح الشركات بطريقة رفع رأس المال بالسوق، وأن يكون تمويل الشركات بهذه الطريقة موجهاً للتوسع بمشاريع الشركة، فبيع الحصص بنظام التخارج يحقق منفعة للبائعين فقط، وبمبالغ كبيرة، بينما توجيه المال لمشاريع الشركة سيعظّم الفائدة للاقتصاد، ويساهم بزيادة الطاقة الاستيعابية، وتوظيف مدخرات الناس بما يخدم الاقتصاد ومتطلباته.

أما الأمر الآخر، الذي يسهم بضبط واقع الشركات عند التفكير بالاكتتاب، فهو يتمثّل بتحميل مدير الاكتتاب وكل من يعمل على تنظيم الاكتتاب وتقديم خدماته له بتحمُّل المسئولية عن أي خلل بتقدير قيمة السهم، وبعقوبات غليظة مما سيساعد على تقدير قيمة الشركة وسعر سهمها بقيم حتى أقل قليلاً من القيمة العادلة، كي يتحوط المسئول عن الاكتتاب ومن يسانده مستقبلاً في حال هبط السعر عند الإدراج عن القيمة المقدرة وقت دراسة الطرح إذا كان السبب يتعلق بالشركة فقط، أي أن يكون هناك مبالغات في توقع الأرباح، أو حتى سلامة قوائمها المالية للسنوات التي سبقت اكتتاب الشركة.. فمثل هذه الأنظمة، وتحديد المسئوليات والعقوبات فيها ستحد كثيراً من تكرار أي خلل يحدث باكتتاب أي شركة ولا تظهر مشكلته إلا بعد سنوات.

كما أن التعديل بطرق الاكتتاب يفترض أن يندرج حتى على عملية طرح جزء للأفراد، فمن الأفضل أن يتم الاكتتاب فقط عبر المؤسسات المالية، وأن يكون الإدراج مباشرة بالسوق دون إدخال الأفراد فيه وتحديداً للطروحات الصغيرة والتي لا يخصص فيها للفرد سوى عدد من الأسهم محدود جداً، وكذلك على الشركات العائلية، أما الشركات الكبرى أو الحكومية التي تنوي التحول لمساهمة عامة، فتبقى مجدية لاكتتاب الأفراد فيها، بسبب نسب التخصيص العالية، وكذلك كونها تطرح بأسعار أقل من قيمها العادلة، خصوصاً للمستقبل كنوع من الدعم الحكومي للأفراد، كما حدث بشركة الاتصالات السعودية ومعادن والبنك الأهلي، وما سيُطرح من شركات حكومية مستقبلاً.

معالجة مشكلة شركة المعجل، ليست متوقفة على ما سيتم إقراره من حكم فيها، والذي نتمنى أن يتم تعويض المتضررين عن ما لحق بهم من خسائر بنسبة مجزية، إلا أن الحلول لمنع تكرار مثل هذه المشكلة تكون بتغيير جذري بآليات الاكتتابات وطرحها، والمسئوليات التي يجب أن يتحمّلها كل من كان له دور بالتقييم والتسويق والمراجعة، حتى ترتفع مستويات المهنية بتقييم الشركات، ويمنع أي تضليل أو تلاعب دون نسيان أن الكثير من الشركات التي طرحت للاكتتاب كانت جيدة، وتحقق معدلات نمو مستمرة، إلا أن الخلل إذا ظهر ولو بشركة واحدة أو أكثر، فلا بد من معالجة مسبباته إذا كان مرتبطاً بثغرات بأنظمة أو إجراءات عامة حتى لا يتكرر.

مقالات أخرى للكاتب