معقباً على رئيس فريق الحماية بصحة الرياض.. الدوس:

(العنف الأسري) ظاهرة عالمية.. وفي مجتمعنا تعددت أنماطه لهذه الأسباب

عزيزتي.. إشارة إلى التصريح المقتضب المنشور بالعدد رقم 15388 في 22/ محرم 1436هـ.. مع استشاري الطب الشرعي بالرياض ورئيس فريق الحماية من العنف والإيذاء الدكتور (مشهور الوقداني) تحت عنوان: (العنف الأسري لم يصل لحد الظاهرة.. وتركيزنا على العنف الجسدي)..حيث أشار سعادته في مضمون حديثه إلى أن العنف الأسري في مجتمعنا لم يصل لحد الظاهرة.. مبينا أن الأرقام لديهم لا تشير إلى ظاهرة.. الخ، وتعقيبا على ما ذكره الدكتور (الوقداني) في هذا السياق.. أقول ومن نافلة القول: إن العنف الأسري يعد ظاهرة نفسية اجتماعية تعاني من إرهاصاتها كل المجتمعات البشرية سواء المجتمعات المتقدمة أو المجتمعات النامية، ولكن تختلف معدلاتها حسب درجة الوعي المجتمعي، فتلك ظاهرة عالمية لا يسلم منها أي مجتمع على مر التاريخ، وتعتبر هذه القضية المستفحلة نتاجا لما اعترى وظيفة التنشئة لاجتماعية والأخلاقية والنفسية والعقلية في النظام الأسري من تحولات رهيبة وتغيرات سريعة يشهدها نسيجنا الاجتماعي في واقعه المعاصر نتيجة التحديث والمستجدات التي طرأت على سطحه الاجتماعي. أدت بالتالي إلى ظهور أنماط جديدة من السلوك الاجتماعي والعادات والتقاليد في كثير من الاتجاهات الفكرية والسلوكية والقيمية المخالفة لقواعد الضبط الديني والاجتماعي والأخلاقي.. ومنها ما يسمى (بالعنف الأسري)، أو المنزلي -كما يسميه علماء الاجتماع - الذي ظهر -للأسف- في مجتمعنا بصورة مزعجه تصل حد الظاهرة..!! لأسباب قد تكون نفسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية. وليس شرطا أن يكون العنف فقط.. عنفا جسديا أو لفظيا..! بل ظهرت أنواع أخرى من العنف المنزلي كنتيجة حتمية للتغير الاجتماعي وإرهاصاته داخل النسيج الأسري، ومنها العنف الرمزي.. أي الاحتقار والازدراء والاهانات داخل الحياة الزوجية، والعنف الاجتماعي مثل حرمان الزوجة من زيارة أهلها فترة طويلة، والعنف الاقتصادي مثل قيام بعض الأزواج.. بلا وازع ديني أو ضابط أخلاقي بأخذ جزء من راتب الزوجة العاملة (عنوة) وبدون وجه حق، والعنف النفسي، أو كما يسميه علماء النفس (القاتل الصامت).. مثل ممارسة الضغوط النفسية على الزوجة بتهديدها بالزواج عليها، أو سوء معاملة الأب تجاه الأبناء والزوجة ربما يحدث لهم صدمات نفسية وانفعالات وجدانية ومخاوف مرضية تهدم الذات البشرية وتسبب اعتلالا في صحتها النفسية.. الخ، وهذه المظاهر أو الأشكال المتعددة من العنالأسري أصبحت في واقع نسيجنا المجتمعي خطرا يهدد البناء الاجتماعي ووظائفه، وذلك مع اتساع دائرتها المظلمة وارتفاع معدلاتها، وبالتالي باتت رياح آثارها وتداعياتها تضرب بأطنابها في خاصرة الكيان الأسري، خاصة في ظل ضياع (هوية) الرصد المهني الدقيق وأرقامه الواقعية لحالات العنف المنزلي مابين وزارة الصحة ووزارة الشئون الاجتماعية ووزارة العدل، وبما أن الدكتور (مشهور الوقداني) يمثل وزارة الصحة في هذا السياق.. كنت أتمنى قبل أن يؤكد-عبر منبر الجزيرة - إن العنف الأسري في مجتمعنا السعودي لم يصل لحد الظاهرة معتمداً على عدد الحالات التي ترد لإدارة الحماية بصحة الرياض..! دون الأخذ في الاعتبار تحفظ كثير من الأسر السعودية التي تعاني من غول العنف وأنماطه وتفّضل عدم كشفها أو عرضها للجهات المعنية بحكم التركيبة الثقافية والمعايير الاجتماعية التي تقوم على مبدأ التحفظ والسرية في معظم الأمور الأسرية... لو اتجهت بوصلته المهنية إلى الاطلاع على نتائج بعض الأبحاث الاجتماعية (الحديثة) التي تناولت دراسة هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة في مجتمعنا.. دراسة «ميدانية» رصينة وما تمخض عنها من نتائج سوسيولوجية أظهرت أرقاما مزعجة وإحصائيات مخيفة تؤكد أن هذا المرض الاجتماعي أصبح يمثل ظاهرة مزمنة في نسيجنا الاجتماعي، والتي يعتبرها الباحثون والمختصون مقياسا لفشل عملية التنشئة الاجتماعية والنفسية والأخلاقية والعقلية والقيمية داخل البناء الأسري تحديدا، ربما تغيرت قناعته ورأيه حول عمق الأزمة المجتمعية في هذا السياق، وبصفتي (باحثاً اجتماعياً) اطلعت على بعض الأبحاث العلمية السوسيولوجية وكشفت معطياتها أن الفئات الأكثر عرضة للعنف المنزلي هي الأقل قدرة للدفاع عن نفسها في مواجهة العنف ومكروباته.. وتشمل هذه الفئات الأطفال بشكل عام والنساء والعجزة والمعاقين، ولخطورة العنف الأسري وانتشار فيروساته عالميا جعل المهتمين والباحثين في هذا الشأن في المنظمات الدولية تخصيص يوم عالمي للعنف المنزلي وهو (1 مايو) للحديث (سنوياً) عن هذه الظاهرة العالمية التي تؤرق المجتمعات الإنسانية وتهز نواتها المتمثلة في (الأسرة) بعد أن تجاوزت حالات العنف معدلاتها الطبيعية وارتفع مؤشر النسب العالمية المسموح بها، وبالتالي من الخطورة السكوت عنها، ولذلك ينبغي صياغة إستراتيجية وطنية واعية لمكافحة العنف الأسري تعتمد في منطلقاتها «الوقائية والعلاجية والتنويري».. على الكوادر المهنية المتخصصة والكفاءات المؤهلة.. بالتعاون مع مراكز البحوث الاجتماعية والدراسات النفسية في الصروح الأكاديمية.. لدراسة ومعالجة ظاهرة العنف الأسري وضبط توازنها على المستوى الوطني.ووضع الخطط والسياسات والتدابير اللازمة للوقاية منها. مع عدم الإغفال عن دور وأهمية المؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية والتربوية والتعليمية.. في رفع سقف(الوعي الأسري) وتنوير المجتمع بخطورة «العنف المنزلي» وآثاره الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأمنية على البناء المجتمعي.

وقفة:

الأسرة هي أهم مؤسسات المجتمع المدني..صلاحها صلاح للمجتمع..وانهيارها يعني انهيار المجتمع.

خالد الدوس - باحث اجتماعي

kaldous1@