جائزة الصحافة العربية

مالك الحزين

من حكايات كليلة ودمنة

انطلقت الحمامة ترفرف بجناحيها في الفضاء بعدما ودعت زوجها المسافر في رحلته إلى بلاد بعيدة، وراحت تنظر إلى الأرض باحثة عن أغصان مناسبة لإعداد عش يسعها مع البيض الذي ستضعه بعد أيام.

وجاء الوقت، فوضعت الحمامة البيض ورقدت عليه، إلى أن خرجت منه الحمامات الصغيرة، وقد أنساها تحضير الطعام للصغار، حزنها على غياب زوجها، وقريباً من الشجرة كان يدور الحديث بين ثعلب ماكر وزميله فيقول الثعلب الماكر: اذهب أنت للبحث عن طعامك في الغابة، أما أنا فلا أجد ميلاً لذلك فقال زميله مستغرباً: لم أعرفك كسولاً قبل اليوم.. فماذا يدور في رأسك؟ ضحك الثعلب الماكر وهو يقول: لدي خطة، سأحصل على طعامي دون أن أبذل جهداً فسأله الزميل بفضول: ما هي؟ قال الثعلب: لا تحاول أن تسأل.. اتركني هنا واذهب.. عندما أصبح الثعلب الماكر بمفرده اتجه إلى الشجرة ونظر إلى الأعلى ثم قال بصوت قوي: أيتها الحمامة.. لقد كنت أنوي أن أصعد إلى عشك فالتهم الصغار، لكن رحمة بك قررت أن أكتفي بواحد منها، واتركك مع باقي الصغار في أمان، ذعرت الحمامة، وبسطت جناحيها فوق صغارها رغبة في حمايتهم وفكرت أن تستعطف الثعلب قائلة: أيها الثعلب لماذا لا تتركنا في حالنا، فالحمامة الصغيرة لن تشبع جوعك ولا تليق بمكانتك، فضحك الثعلب ثم قال مهدداً: افعلي ما طلبته منك قبل أن يضيق صدري فأصعد إليك فالتهم صغارك كلهم، صاحت الحمامة يائسة: لا لا تصعد سألقي إليك بأحد الصغار، بشرط أن تعدني بعدم العودة إلى هذا في المستقبل، ابتسم الثعلب ابتسامة ماكرة وهو يقول: موافق، ولكن لا تطيلي الحديث، ألقت الحمامة بأحد صغارها ودموعها تتساقط من عينيها وهي تبكي بصمت خوفاً من الثعلب، عاد الثعلب بعد أن شعر بالشبع إلى جحره فوجد زميله وقد بدت عليه آثار جروح فسأله الثعلب الماكر: ما الذي فعل بك هذا؟ فأجابه دارت بيني وبين أرنب معركة إلا أنه استطاع أن يهرب فعدت كما ذهبت ببطن خاوية، ازداد إعجاب الثعلب الماكر بنفسه وقد توافر له طعام دون تعب ومعارك فذهب في اليوم التالي إلى الشجرة وقال بقوة أيتها الحمامة العاقلة لقد سمعت منك الصدق أمس، فالحمامة التي أكلتها لم تشبعني وها أنذا أعود اليوم إليك أكثر جوعاً من الأمس قالت الحمامة مندفعة ألم أقل لك؟ أفضل شيء أن تمضي إلى الغابة حيث الأرانب السمينة وضحك الثعلب وقال: لكني اشعر بضعف شديد ولا أقوى على العدو وراء الأرانب وقد أفعل لكن بعد أن تلقي إلي بواحد من صغارك أتصبر به إلى حين!!

حاولت الحمامة أن تثنيه عن عزمه لكن دون جدوى فصاح: إما أن أحصل على واحد من صغارك أو أصعد فألتهم كل ما في العش، وهكذا ألقت الحمامة بواحد من صغارها وقلبها يتقطع حزناً واستمر الثعلب على هذا الحال حتى قضى على جميع صغارها وتركها تبكي بحرقه وألم. وحين عاد الزوج من رحلته وجدها تبكي حزناً وتحكي ما فعله الثعلب بها حيناً فقال: ماذا تفعل الحمامة أمام قوة وشراسة الثعلب، غداً نمضي للبحث عن شجره بعيدة لا يعرف طريقها الثعلب والله يعوضنا عما فقدنا من صغار، طارت الحمامة وزوجها قبل أن ترسل الشمس أول شعاع لها واختارا مكانا منعزلا تتوسطه نخله عالية وتعاونا على بناء عش جميل، وحين انتهيا من العمل قال الزوج: يجب أن تكوني حريصة في ذهابك وإيابك حتى لا ينتبه الثعلب إلى مكاننا الجديد، وارجو أن أعود من رحلتي لاجد أولادنا بخير وصحة، فارتجف قلب الحمامة لدى ذكر السفر، فقالت بحزن أمن الضروري أن تسافر ابق معي حتى نحافظ على أولادنا معاً، فقال الزوج أنت تعلمين أنه لا مناص من هذه الرحلة كل عام.. المهم أن تفعلي ما قلته لك.

وتمضي الأيام فتضع الحمامة بيضها وترقد فوقه حتى يخرج الصغار وتعتني بطعامهم حتى يكبروا ويجدهم زوجها عند عودته، إلا أن فرحة الحمامة لم تكتمل ففي ذات يوم وبينما كانت تغني لصغارها فإذا بها تسمع صوتاً من أسفل النخلة بعث الرعب في نفسها، فصمتت صمتاً مفاجئاً وصغارها يتطلعون إليها متسائلين فأطلق الثعلب صيحة ثانية ثم قال: هيه أيتها الحمامة لقد مضى زمن طويل وأنا أبحث عنك، ما الذي جعلك تهجرين الشجرة الأولى؟ إلا أن الحمامة بقيت صامتة ارتفع الثعلب بساقيه الأماميتين واستند بهما إلى جذع النخلة وقال: لا فائدة من الصمت لقد سمعت الأغنية التي كنت ترددينها مع الصغار، فقالت ماذا تريد أيها الشرير لماذا تلاحقني هيا اتركني لحالي، قال الثعلب مكشراً عن أنيابه هكذا أنصرف ببطن خاوية فقالت الحمامة ماذا تريد مني؟ ألم تكتفي بالقضاء على صغاري قبل ذلك.. أليس لك طعام غير هذا؟ قال الثعلب بلهجة مهدده: سأصعد إليك حتى أنتقي من الصغار ما يعجبني! فصرخت ضارعة لا!! انتظر أيها الثعلب أعطني مهلة حتى الغد لأودعهم الوداع اللائق، دار الثعلب حول جذع النخلة عدة دورات ثم قال سأنتظر حتى الغد إلا أنك إذا عدت عن كلامك فسألتهم الصغار جميعاً، انصرف الثعلب وترك الحمامة تبكي وتندب حظها التعيش.

وفي مكان ليس بالبعيد عن الحمامة كان يدور جدال بين طائر اسمه مالك الحزين والغراب، حيث يقف مالك الحزين متفاخراً بجماله بين الطيور ويقول للغراب: أنت بالذات لا يمكنك أن تفهم معنى كلماتي فكلنا يعرف أن الغراب طائر أحمق، فكيف يمكن لك أن تفهم كلماتي الحكيمة.

اغتاظ الغراب وهو يسمع إهانات مالك الحزين له وتمنى لو كان له جسمه حتى يقاتله وينتقم لنفسه، إلا أنه قال: أنت دائماً هكذا كلام كلام كلام، هذا هو ما تجيده لم نرك يوماً تقوم بعمل مفيد، ولا ينالنا منك سوى الشتائم والإهانات لكني أعلم أن غرورك هذا سيوقعك يوماً في محنة لا خروج منها.. اغتاظ مالك الحزين فقال: أنت صاحب عقل صغير لا يستطيع أن يفهم الأمور العظيمة أو الأسرار الحكيمة هل تتصور أن أضيع وقتي الثمين في العمل، ما فائدة عقلي الكبير إذاً؟ كيف لك أن تفهم هذا، مستحيل!! أسرع مالك الحزين يرفرف بجناحيه مبتهجاً في الفضاء قبل أن يسمع ما يحرجه من الطيور، وظل يحلق حتى لمح النخلة العالية فسعى نحوها وحين وقف على قمتها سمع صرخة عالية، فاقترب ليرى من هو صاحب الصرخة، فإذا بالحمامة تصرخ فزعة وهي تقول ابتعد أيها الثعلب المتوحش، قال مالك الحزين: ثعلب أي ثعلب وما الذي يجئ بالثعلب إلى قمة النخلة العالية انظري جيداً؟ أنا مالك الحزين ألا تعرفينني؟ ألم تسمعي بحكمتي وذكائي تمتمت الحمامة معتذرة فاقترب مالك الحزين وقال: ما مشكلتك أيتها الحمامة المسكينة تنهدت الحمامة وقصت عليه حكايتها مع الثعلب فظهرت الدهشة على مالك الحزين: يا لك من ساذجة مسكينة هل يستطيع الثعلب أن يصعد على طول جذع هذه النخلة المرتفعة؟ دعيه يحاول وسترين كيف سندق عنقه! قالت الحمامة وقد عاد الأمل إلى قلبها: هل أنت متأكد يا سيدي مما تقول: فشعر مالك بالضيق لتشككها فقال: إذا حضر الثعلب غداً قولي له اصعد عندي وخذ ما تريد! وفي اليوم التالي وصل الثعلب الماكر مختالاً وقال بلهجة ناعمة صباح الخير أيتها الحمامة: فردت الحمامة بصوت قوي أهلاً بك أيها الصديق! فسألها هل أنت مستعدة اليوم لإلقاء أحد الصغار؟ فقالت بثقة: لماذا لا تصعد أنت وتنتقي بنفسك أسمن الصغار فقال: لست طماعاً يكفيني أن تلقي إلي بما تختارين، عندها تأكدت الحمامة من عجز الثعلب عن الصعود فتمادت في إغاظته قائلة: هيا هيا لا تكن كسولاً؟ فرد غاضباً بعد أن أحس أنها تسخر منه: أيتها الحمامة التعيسة اقذفي حالاً أحد صغارك حتى أمضي لحال سبيلي، أطلقت الحمامة ضحكة طويلة ثم قالت: تحرك أيها المحتال الكاذب لم أعد ساذجة لقد فهمت كل شيء، تمالك الثعلب أعصابه وقال: من الكاذب الذي أبلغك أنني لا أقدر أن اصعد إليك، فردت غاضبة أنت هو الكاذب أما مالك الحزين فهو نعم الصديق المخلص الأمين، ابتسم الثعلب الماكربتسامة خبيثة وراح ينتقل من مكان إلى آخر باحثاً عن مالك الحزين وحين رآه قال لنفسه: انتظر أيها الأحمق حتى أريك كيف ينتصر مكري على غرورك، أحس مالك الحزين باقتراب الثعلب فقال: قف عندك ولا تقترب أكثر، ثم نظر إليه وقال: أعرف انك غاضب لأنني كشفت كذبتك للحمامة أليس كذلك؟ قال الثعلب أعلم أن عقلك الكبير أقوى من مكري فماذا أفعل؟ قال مالك الحزين: جميل منك أن تعترف بهذا وليست باقي الطيور والحيوانات تفعل مثلك؟ اقترب الثعلب بضعة خطوات أثناء الحديث ثم قال: ما جئت للحديث عن تلك الحمامة، إنما جئت أبحث عن إجابة لسؤال يحيرني: ماذا تفعل برأسك عندما تهب الرياح القوية كيف يتحمل عنقك الطويل هذا هبوب الريح؟ أعني أين تضع رأسك إذا أتتك الريح من يمينك؟ ضحك مالك الحزين طويلاً قبل أن يقول أضع رأسي عن شمالي هذه ليست بمشكلة أيها الثعلب؟ فقال الثعلب فإذا أتتك الريح من شمالك أجاب على الفور مالك الحزين: أضع رأسي عن يميني ثم سأل الثعلب بعد أن أظهر انه يفكر بعمق، فماذا تفعل إن أتتك الرياح من اليمين والشمال وكل جهة؟ فقال مالك الحزين باستخفاف أضع رأسي تحت جناحي، فأظهر الثعلب عدم التصديق لا يمكنني أن أتصور هذا كيف؟ فقال مالك الحزين هكذا وقد ووضع رأسه تحت جناحيه، وبقفزة خاطفة انقض الثعلب على عنق مالك الحزين وهو يقول: هذا خير عقاب لك على غرورك أيها الأحمق، تعطي نصائحك للحمامة وتنسى أن تستفيد أنت من هذه النصائح.

** ** **

رسـم

1. فيدل صالح رباكه 8 سنوات

«ودعت الحمامة زوجها المسافر»

2. جويل بكر عباس 8 سنوات

«كبرت الحمامات الصغيرات»

3. بدر مروان نينو 8 سنوات

ألقت الحمامة بأحد صغارها

4. مريم مثنى بانز 8 سنوات

«قال الثعلب: وأخيرا وجدتك»

5. تالين وسام زيت 8 سنوات

«سأل مالك الحزين.. ما مشكلتك أيتها الحمامة المسكينة؟»

6. زينة خالد حتر 8 سنوات

«قالت الحمامة: هيا اصعد...!»