22-11-2014

تفكير في التفكير

التفكير يكمن في أن تعيد الأشياء إلى أصلها وإلى مبتداها وأن تتبع منابعها وجريانها بحثاً عن الحقيقة، تحلل وتربط وتفترض وتثبت وتنفي.

هكذا تمضي في إيقاظ العقل، وفهم الحياة وسبر أغوار المعرفة.

لا تقبل بما يدور حولك وكأنه مسلمات عليك أن تستسلم لها، فهذا من احتقار التفكير والميل إلى إنامة العقل الذي خلقه الله في يقظة وتحفز ونشاط وتوقد.

وأنت حينها في حاجة ماسة إلى عقيدة محكمة.

وأصل العَقْد نقيض الحل، وعليها المتكل والسؤال فما يورده الإنسان من قول عفوي عابر أو ردة فعل أو تعليق ساخر ليس هو مجمع فكره ولا يقاس عليه ولا يسأل عنه، لذا فإن الله سبحانه أسماه باللغو وهو كثير كثير حتى أنك لا تكاد تسمع إلا لغواً ومن تتبع اللغو وحكم على الناس من خلاله فقد باء في مخالفة لنهج الله مع العباد: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} (89) سورة المائدة.

وكل ما عقد الإنسان عليه قلبه جازماً هو عقيدة.

والحياة رحلة تحتاج فيها إلى عقيدة وإيمان مطلق ويقين متناه حتى تكون أوتاد حبالك ثابتة وأنت تذهب ذات اليمن وذات الشمال، تهبط وادياً وتصعد جبلا، تضرب سهلاً وتصارع موجاً، تدخل قبواً رطباً مظلماً أو تقيم في برج ونعيم.

هي رحلة العقل الماتعة، وإحكام الاعتقاد بفكرة ما والسير معها وبها ومن أجلها إلى النهاية.

تتوقد في داخلي كل خمس سنوات شعلة من نور، فأحملها وأركض في الدروب الوعرة، بيقين واعتقاد محكم ومعرفة ودراية بأنها قبس من نور يستحق أن أبذل من أجله، وأن أخسر في سبيله، وأن أجازف وأن أمتطي صهوة الموج، حتى إذا بلغت (مرقباً) عالياً وأوصلت الشعلة مكانها وجعلت منها علماً في رأسه نار، عدت إلى حيث هدأة روحي ويقيني وثباتي، أسلمت روحي لهدأة الصحراء ورائحة الجمر الذي يعلوه شجر الغضى، أسندت رأسي إلى كتف شيخ جليل، مبتسم، خبر الدنيا وعلمها، يسرد لي حكايات الغزو والشجاعة والوفاء والإيثار والرجال الأخيار وأعرف منه ما لا يعرفه غيري من قصص لا تجري إلا على لسانه هو..

أسمع وأستمع وأتأمل.

أخذ نفساً عميقاً وأردد بما يشبه الحداء:

(الحر.. مثلك ما ترده طوابير

يرقى مراقي العز عند اللزومي)

f.f.alotaibi@hotmail.com

Twitter @OFatemah

مقالات أخرى للكاتب