التكريم لمن؟؟

مها السمنان

اعتادت القطاعات بشتى صنوفها على تفعيل ثقافة التكريم والتي تتوج رموزها وجعله المحفز النفسي والمعنوي، والتكريم له طقوسه وآلياته التي تناسب فئاته وباستمرار تلك السمة يستمر التميز والعطاء والتطور، واعتادت المدارس في نهاية كل عام على إقامة حفل تكريم للطالبات في شتى المجالات واختتامه بتخريجهن، فهذا الحفل يمثل مخرجات الأنشطة وإبراز ما تم تصميمه من أعمال داخل أطر تلك المدرسة خلال ذلك العام من مشاريع وبرامج وأعمال ومنجزات، بحيث يتم وسمها بشهادات الشكر تقديرا للمتميزات منهن لاختتام ذلك العام بكل حفاوة، ومن المشاهد المألوفة كل عام هو تسابق الأمهات لتكريم بناتهن بطوق ورد وهدية وباقة وغيرها مما استجد من أنواع الهدايا وتحتدم المنافسة بين الأمهات فيمن هي تمثل آخر ما نزل في الأسواق مما غلى سعره وكبر حجمه وبرزت موضته، وخلال احتدام عجلة المنافسة تم دفن وقمع أغلى قيمة والتي يجب علينا الأولى والأحرى بنا زرعها وحصادها بعكس مسار تلك العجلة ليتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك القيمة ألا وهي قيمة (بر الوالدين) فمن هم الذين يحتاجون منا إلى التكريم؟ من الذين سعوا لجعلنا نصل إلى هذا المستوى المتميز؟ من هم الذين أمرنا الله جل في علاه ببرهم وأكرامهم ووقرن ذلك بالإيمان؟ نحتاج إلى زرع التنافس بين الطالبات في بر الوالدين، بعكس الموقف وجعل الطالبات يتنافسن في إكرام والديهم، وإدخال السرور والبهجة عليهم، لزرع تلك القيمة التي هي بذرة ستنبت جيلا يعي معنى تلك القيمة, الموصلة لسعادة الدنيا والآخرة.

فالمدرسة هي بوتقة صهر قيم الحياة وسكبها بقوالب تمثل الإدراك والوعي لجيل لا زال في طور بناء المفاهيم، فكم هو شعور جميل عندما يتشارك الأبناء في إكرام والديهم في أجمل أيامهم، فقد تحمل الوالدان الكثير والكثير من أجل أبنائهم، فيزرع من الود والألفة والمحبة ما يعجز اللسان عن وصفه، فيعتاد الأبناء على الاستمتاع بالبر والعطاء ومنها تستنبت القيم، فكم أعجبتني سديم عندما قامت بالتشارك مع والدها بتقديم هدية مفاجئة لزوجة أبيها، أثناء حضورها لحفلها والتي تقوم بالاهتمام بها من بعد فقد والدتها منذ صغرها، وذلك في يوم تكريمها والذي يمثل أجمل أيامها.

فكم من الأثر الذي تركته من جراء ذلك السلوك الجميل، وكم من القيم التي نثرتها في تلك اللحظات، والتي أبكت الحاضرات بجميل صنيعها، وكم من الدروس المستقاة من هذا الموقف الرائع, فقد أصبحت سديم نموذجا يحتذى في بناء قيمة افتقدها جيل يغرق بالمنافسات اللامتناهية..