23-11-2014

هذا زهابي

عرف بأنه مقدام شجاع، جسور صدوق، يأبى الظلم والضيم، يتمتع بقلب كبير رحيم، طالما اتجهت إليه الأنظار، وعقدت عليه الآمال، محب للخير، يتفانى في سبيل إحقاق الحق وردع العدوان، اشتهر بين بني قريته والقرى المجاورة بالصراحة والوضوح والنخوة، ولا غرو فقد ترسخت هذه الشمائل فيه بعد نجاحه في التصدي لسلسلة من المواقف التي أحجم عن مواجهتها كثير من أقرانه، وتكللت جهوده بنجاحات كان لها عظيم الأثر في استتباب الأمن، وقهر الأعداء وقطاع الطرق.

كريم له باع في الخير طويل، وإرث في المجد مجيد، لا يتوانى في شد الأزر والمؤازرة، في النوائب والشدائد والمحن، هكذا عهده الأهل والأصحاب، راجح العقل، صائب الرأي، صريح القول، واضح الموقف، له شخصية مميزة متميزة، خرج عن إطار المجاملات وعن أولئك الذين يعرفون كيف تتم مجاراة الأمور ومداراتها، ومهادنة الأصحاب وتملقهم، والانحناء للعواصف وتمريرها .

اشتهر بالكرم والشجاعة، يروى عنه أنه كان في صحبة مجموعة من الرجال في فلاة من الصحراء يجمعون الكلأ الذي تجود به الفيافي في الربيع بعد موسم الشتاء المطير، وخوفاً من قطّاع الطرق الذين يطلق عليهم «الحنشل»، وهم رجال حفاة غلاظ شداد يتعمدون السطو على أمتعة الآخرين والاستيلاء عليها وأخذها دون وجه حق، وخشية من هؤلاء «الحنشل»، وبحسب الخبرات السابقة عمد كل واحد من رفاق هذا الرجل إلى إخفاء «زهابة»، بين شجيرات الحرمل بعيداً عن الموقع الذي يجمعون منه الكلأ، كي لا يعثر عليه «الحنشل»، فيستولون عليه ظلماً وعدواناً، ويتركونهم في الصحراء دون غذاء وماء، إلا هذا الرجل الذي يعرف بشجاعته وجرأته، أبقى زهابه تحت شجرة قريبة منه، نصحه الرفاق بأن يخفي زهابه فالحنشل لا يجاملون ولا يرحمون، ولا يترددون في البغي والعدوان، أنكر عليهم فعلتهم، وخوفهم وجبنهم، وقال لهم : لن أخفي زهابي، ومن يقول من هؤلاء الحنشل أني رجل عليه أن يمس زهابي وسوف يرى، ضحك رفاقه من مقولته وجرأته، وقالوا له بلغة الواثق من حتمية الموقف غير السار، سوف نرى : الميدان يا حميدان.

وما هي إلا سويعات، وظهر الحنشل، اقتربوا من الرجال بكل غرور وصلف وتكبر، وكعادتهم تلفتوا يمنة ويسرة، يتفقدون المكان علهم يعثرون على المتاع والزهاب، لمح أحدهم أثر أقدام الذين عمدوا إلى إخفاء زهابهم بعيداً عنهم، تتبعوا الأثر، وعثروا على الزهاب حيث وجدوه محشوراً بين شجيرات الحرمل، أخذوه وبعد أن أحصوا ما تم العثور عليه تبين لهم أنه ناقص، تساءلوا بقي زهاب واحد، أين هو ؟، أحجم الجميع عن الجواب، وقف المغوار المقدام، تقدم إليهم متحدياً وقال لهم : زهابي تحت هاذيك الشجرة، واللي منكم يعد نفسه رجلاً بإمكانه أن يتقدم ويأخذه، نظر الحنشل كل منهم للآخر، لم يألفوا مثل هذا الموقف، ولم يسمعوا مثل هذه اللغة، لغة ملؤها الثقة والتحدي، استخفوا به وغلبت عليهم نشوة القوة والكثرة، تقدم أحدهم إلى حيث وضع الزهاب، أخذه بمنتهى الاستهتار والاستخفاف، لم يأبه بتحدي الرجل وثقته بنفسه، وما إن أدبر الحنشل يتضاحكون آخذين كل المتاع والزهاب، إلا ويفاجئ المغوار أحد الحنشل بالمحش مغروساً في ساقه والدم يسيل منه .

انسحب الحنشل الصبية وهم يجرون أذيال الخيبة والحسرة والألم، انسحبوا متجهين إلى أهليهم شاكين، ولكون ذوي الحنشل وأهليهم يقدرون الشجاعة ويحترمون الشجعان، عنفوا هؤلاء الصبية ولاموهم، وقالوا لهم : تستاهلون ما حصل لكم، فقد كان الأحرى بكم والأجدى احترام الرجل الذي لم يخف زهابه، وتقدروا شجاعته وإقدامه، فمثل هذا الرجل جدير أن يهاب ويثمّن موقفه، وألا يدخل معه في شجار أو عراك، في هذه الأثناء شاهدوا ضيفاً قادماً من بعيد، هللوا له ورحبوا، وكانت المفاجأة الصاعقة للصبية، أن الضيف هو غريمهم، وما إن علم أهل الحنشل بذلك، حتى ازدادوا بالضيف ترحيباً وتقديراً، اعتذروا له وأعادوا له زهابه، عاد الرجل إلى أصحابه مرفوع الرأس، وبذلك أعطى أصحابه درساً لن ينسوه أبداً في تقدير الذات واحترامها.

قصة رجل شجاع، رواها أحد الأجداد لأحفاده، فيها دروس وعبر لمن يقزم ذاته، ويتخلى عن كرامته، ويستسلم للخوف، ويمكن الآخرين من رقبته وينقاد لهم، رغم أنه يمتلك من الإرادة والقدرة ومقومات النجاح ما يمكنه من مواجهة المخاطر والتغلب عليها.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب