28-11-2014

وزير التجارة النشيط ووزير الإسكان الكسول

أحسنت وزارة التجارة عملاً حينما تابعت بعض المنشآت التجارية التي تعمل في تجارة التجزئة، وتوهم الناس بتخفيضات كأسلوب من أساليب التسويق المعتمد على الغش والخداع وكشفتهم.

عادة ما تغري هذه التخفيضات المستهلكين، فيندفعون إلى التسوق، دون أن يتنبهوا إلى حقيقة الأسعار قبل التخفيض والأسعار بعد التخفيض؛ فالسعر المشطوب على بطاقة السعر، وبجانبه السعر الحالي بعد التخفيض ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً أو دقيقاً؛ غير أن أغلب المستهلكين يثقون بما هو مدوّن في بطاقة السعر، وينتهزون الفرصة، التي يرونها مواتية، ويشترون البضاعة حتى تلك التي لا يحتاجونها.

مهمة وزارة التجارة في بلادنا الأولى (حماية المستهلك)، وأن تتنبّه لتلك التلاعبات، وفرض أنظمة وقوانين من شأنها أن تتبع الغش والتدليس، وتشعر طرفي العملية التجارية في ما يخص تجارة التجزئة أن المستهلك (محمي) وأن (البائع) مراقب، بما يكفل أن يكون السوق التجاري المرخصة من قِبل الحكومة سوقاً حرة، كما هو التوجه الليبرالي للأسواق الحرة غير المنفلتة، وأن أنظمة وقوانين تقف لهم بالمرصاد تُحكم مراقبتها جهات يهمها عدالتها واستقامتها، لتحمي المستهلك بعدالة، كما أنها تحمي التاجر النزيه غير المدلس والغشاش في ذات الوقت.

ومن المعروف أنّ المنافسة بين التجار تصب دائماً في مصلحة المستهلك في النهاية، فأي منتج يتم تسويقه في السوق، خاصة إذا كان من الضروريات الحياتية، التي لا يستغني عنها الإنسان في حياته ومعيشته، فإذا كثر مسوقوه، وقل محتكروه وتنافسوا في تسويقه، انعكس ذلك بالضرورة على أسعاره فتهاودت والعكس صحيح. لذلك تسعى الحكومات إلى محاصرة التغول الرأسمالي من خلال محاربة (الوكيل الحصري المحتكر)، غير أن بعض السلع والخدمات لا بد وأن يكون لها وكيل حصري، خاصة تلك السلع التي تحتاج إلى خدمات ومتابعة وصيانة بعد البيع. لذلك متى ما وجدت الحكومات أن الوكالات الحصرية ضرورة لهذه المبررات، تضطر إلى السماح بها ولكن تحت شروط معيّنة، أهمها أن تتحكم في أسعارها، وأن تصدر تصريحاً بالتخفيضات ولا تترك الحبل على الغارب للتاجر، فبخفض التاجر سلعته متى شاء، ويرفع أسعارها متى شاء، مستغلاً مواسم الحاجة، ومستثمراً إلحاح العوز.

ونحن في المملكة ننتهج اقتصادياً السوق الحرة، حيث إن كمية العرض وكمية الطلب هما المحددان لتوجهات الأسعار بشكل أساسي، مثلما هو الأمر في كل بلاد العالم المتفوقة، غير أن الفرق بيننا وبينهم، أن مهام مراقبة الأسواق وحماية المستهلك تقوم بها (منشآت التطوع المدني) التي يشكلها المواطنون وهي غالبا لا تقارع التجار لمصلحة المستهلك فحسب، وإنما تقارع حتى الحكومات والمؤسسات التشريعية، وهذه المنشآت هي من القوة هناك إلى درجة تأخذها الحكومات والمشرعون في الحساب في أي قرار، يزمعون إصداره؛ ولأن مثل هذه المؤسسات الأهلية التطوعية غير موجودة بلادنا وإذا وجدت فإنها منهكة وضعيفة وغالباً ما يكون تأثيرها محدوداً، اضطرت وزارة التجارة، في عهد وزيرها الجديد، والناشط، أن يمارس أدواراً لا تمارسها عادة وزارات التجارة في الأسواق ذات الصبغة الحرة الليبرالية.

وهذا الوزير قد يخطئ وقد يصيب وقد يتعسف في بعض الأحيان، إلا أن لا أحد يستطيع أن يشكك في الإجراءات التي اتخذها ونزاهتها حماية للمواطن المستهلك من جشع وتسلط وغش وتدليس وانتهازية بعض تجار التجزئة.. ونحن إذا نشد على يده فأملنا أن تنتقل عدواه إلى وزارة الإسكان؛ فيبدو أن هذه الوزارة بوزيرها والعاملين معه بعيدون كل البعد عن مواكبة حاجة الناس وتلمس مآسيهم السكانية بهمة ونشاط و(مقارعة) كما يفعل وزير التجارة.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب