الميزة النسبية للمناطق ... الجوف مثالاً (1 من 2)

د. حامد الوردة الشراري

المملكة حباها الله مساحة شاسعة وتنوعاً بجغرافيتها وحضارتها ومناخها وتربتها وزراعتها ومجتمعها، فكل منطقة من مناطق المملكة تتميز بميزة خاصة عن غيرها، فمثلاً القصيم والأحساء تتميزان بإنتاج أفضل التمور، وجازان بانتاج المانجو والفواكة الاستوائية، ونجران بانتاج الحمضيات..، والمنطقة الشرقية بانتاج النفط والصناعة المعتمدة عليه، ومنطقة الحدود الشمالية بوفرة المعادن... إلخ.

لنكون اكثر دقة وواقعية ونبعد عن التنظير، فلنأخذ الميزة النسبية لمنطقة الجوف كمثال في قطاعين؛ القطاع الزراعي والقطاع الصحي:

اولا: البيئة المناخية للتنمية الزراعية المستدامة: المناطق الشمالية (الجوف، حائل، تبوك) تكتسب الميزة النسبية بزراعة شجرة الزيتون المباركة ذات المردود الاقتصادي الكبير، هذه الشجرة المباركة تنتشر بشكل كبير في تلك المناطق وتتركز بوجه خاص في منطقة الجوف لخصوبة تربتها وقربها من حوض البحر الأبيض المتوسط البيئة المناخية المناسبة لزراعة شجرة الزيتون. فعدد أشجار الزيتون بمنطقة الجوف يقدر بالملايين، معظمها يسقى بنظام الري الحديث (التنقيط) ومزروع بالطريقه المكثفة. فمن الملاحظ أن هناك توسعاً بزراعة أشجار الزيتون مع قصور واضح في انتشار منتجات أشجار الزيتون في أسواق المملكة مقارنة بالمستورد من الخارج، ووجود فجوة كبيرة بين العرض والطلب على زيت الزيتون، هذا يؤكده ما جاء في الكتاب الإحصائي الزراعي للعام 2012، فالاستهلاك المحلي من زيت الزيتون 28500 طن، يستورد 20000 طن، وينتج محلياً 8500 طن، ويعزو غالب المنتجين لزيت الزيتون والمزارعون هذا التباين بسبب عدم وجود آليات تسويق متطورة لهذا المحصول الغذائي الوطني الإستراتيجي، الذي لو تم فهو كفيل لنا بالاكتفاء الذاتي كمرحلة أولى من المزروع حالياً، ومن ثم التصدير لدول الجوار كدول مجلس التعاون الخليجي.

وشجرة الزيتون تعتبر قليلة الاستهلاك للمياه مقارنة بالمحاصيل الزراعية الاخرى، فمثلاً معدل استهلاك أشجار الزيتون من الماء سنوياً للهكتار الواحد عُشر استهلاك البرسيم تقريباً، قد يزيد أو ينقص حسب آلية الري ووعي المزارع في استهلاك المياه. فعلينا الإسراع بتفعيل المبادرة الثالثة -احدى مبادرات صندوق التنمية الزراعية السبع التي اعلن عنها قبل عدة سنوات- وتنص على: «تطوير أساليب المناولة والتسويق للمحاصيل الزراعية (الخضار والفواكة)»، وإعطائها الأولوية مع إنشاء كيان يخدم قطاع الزيتون بالمملكة في ظل ضعف واضح في أداء الجمعيات التعاونية الزراعية خصوصا في محصول الزيتون، نكون قد ساهمنا في مساعدة المزارع بالتحول من زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه الى زراعة شجرة الزيتون غير المستهلكة للمياه والذي تقوم عليه عدة صناعات مثل صناعة الأعلاف والفحم للتدفئة والصابون والمنظفات الطبيعية، هذا إضافة إلى المنتج الرئيسي وهو زيت الزيتون والزيتون المخلل، وبالتالي نجمع بين التوفير في استهلاك المياه، وتوفير سلعة غذائية كجزء من الأمن الغذائي الوطني، وخلق فرص عمل مستدامة للمواطنين من خلال الزراعة والمناولة والتصنيع والتسويق.

هذا الجزء من هذا المقال يأتي متزامنا مع موسم قطف محصول الزيتون ومهرجان الزيتون بالجوف الذي سلط الضوء على الزيتون وأهميته الإستراتيجية، اما في الجزء الثاني سنتطرق للميزة النسبية لمنطقة الجوف في القطاع الصحي، بإذن الله.