الرياض - «الجزيرة»:
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر، رئيس الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم، وعضو الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين، والمشرف على مؤسسة ديوان المسلم، محاضرة بعنوان: «الوهن»، بـ «منتدى العُمري الثقافي» بمدينة الرياض، حيث قدّم للمحاضرة الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم العُمري، أستاذ السيرة النبوية وعضو المجلس البلدي بمدينة الرياض (راعي المنتدى).
وهن القلب
وقد عرّف الشيخ الدكتور ناصر العمر في بداية محاضرته بموضوعه (الوهن) التي حضرها حشد من الأكاديميين وطلبة العلم والمهتمين بالشأن الإسلامي من وجوه المجتمع، حيث قال: الوهن هو الضعف، قد يكون ضعفًا في البدن كما قال زكريا - عليه السلام -: {رَبّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْم مِنِّي} [مريم:4] وكل من كبر فإنه يهن عظمه، كما قال الله - جل وعلا - في سورة الحج وغيرها، ولكن أعظم الوهن وأسوأه عندما يكون في القلب وهنا الخطورة.. وهذا هو موضوعنا اليوم، وهذا الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشارت إليه الآيات قبل ذلك {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
مشيراً إلى أن الوهن عندما يكون بالقلب ويلج في القلب تكون الخطورة ويكون الاستسلام ويكون الذل، تصوروا في ستمائة وستة وخمسين عندما دخل التتار بغداد، كان التتار يأتون بالمسلم فيرجعهم فيقول: انتظر حتى آتي بالسكين أذبحك فيبقى حتى يأتي بالسكين يعني لا يستطيع أن تحمله قدماه يهرب؛ لأن آتاهم الله من حيث لم يحتسبوا كما أتى النظير كما في سورة الحشر: {فأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر:2] فعندما يكون الوهن في القلب هو الخطورة وهو الذي نتحدث عنه اليوم؛ ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تعلمون: «يُوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قسعتها، قالوا: أو من قلةٍ نحن يومئذً؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل».
تأملوا هذه العبارات من الصادق المصدوق: «وليجعلن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهة الموت» لاحظوا حب وكراهية، والحب والكراهية مكانها القلب، لكن تظهر آثارها على البدن وعلى العمل فكلمات النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي وأمي تحدد المرض «حب وكراهية» والحب والكراهية مكانها القلب، لكن أيضًا سنشير إلى ظهورها على البدن، لذا وقفت أمام هذا الحديث، وهذا الحديث رواه أحمد وأبو داوود وصححه الألباني، لاحظوا «ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن» مركز في قلوب العدو المهابة منا، مركزة، كما تُنزع الروح كما أن الروح مركزةٌ في البدن، ثم تُنزع عند الموت نزعًا.
وكذلك «وليقذفن في قلوبكم الوهن» والقذف شدة، لأن الأصل هو عدم الوهن، فقارنوا بين هاتين الكلمتين كلٌ منا يحذر من هذا الأمر أو أن يكون سببًا لتحقق هذا الجانب وهو نزع المهابة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أُعطي وقد أُعطي جوامع الكلم وقد فُضِّل على الأنبياء بست قال: «ونُصرت بالرعب مسيرة شهر» أي أن العدو يهاب الأمة، لكن في مثل هذه الحالة التي أشارها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، حالة الوهن تُنزع المهابة من قلوب الأعداء نزعًا ونحن السبب في ذلك، وهذا إذًا معنى عظيم يؤيد هذا الجانب، ما معنى حب الدنيا وكراهية الموت؟
كلٌ يحب الدنيا ويكره الموت، وكما قالت عائشة: وإن منا من لا يكره الموت؟ قال: ليس ذاك يا عائشة؟ كراهية الموت أي أنه لا يُقدم الجهاد في سبيل الله في موضعه الصحيح خوفًا من الموت، وإلا كجبلة الطبيعة أن الإنسان يكره الموت، كما قالت عائشة ولم يُنكر عليها - النبي صلى الله عليه وسلم -، لكن عندما يكون كراهية الموت أن يضحي بمبادئه وبحياته وبأمته خوفًا من الموت، فلا هو يقول كلمة حق عند سلطان جائر، لماذا؟ يخشى أن يقتله، أو أن تذهب دنياه لأنه قال: حب الدنيا وكراهية الموت، فليس كل الأمور قد تؤدي إلى الموت، ولكن قد تؤدي إلى فقدان الدنيا، فقدان الوظيفة، فقدان المركز، فقدان العمل، فيحجم عن قول كلمة الحق، يحجم عن البلاغ، يحجم عن الجهاد في سبيل الله في مواضعه الصحيحة، لكن مع كل أسف نبتت نابتةٌ في أصلها شوهت الجهاد في سبيل الله وأساءت إلى الجهاد في سبيل الله، وأصبحوا ألعوبةً لغيرهم ومع ذلك فالجهاد الصحيح قائم كما هو في فلسطين وفي الشام وفي العراق وفي اليمن وفي كل مكان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين» وفي رواية «يقاتلون» فأولئك الذين أيضًا يشوهون الجهاد من الليبراليين وبعض الإعلاميين وغيرهم هم يصادمون الأحاديث الصحيحة في أن الجهاد باقٍ إلى يوم القيامة بعز عزيزٍ أو بذل ذليل، مع أن هناك نابتةً أخرى من الغلاة أو غيرهم أساءوا للجهاد، فالشاهد هنا نزع جزء من الإنسان من قلبه أو من عدوه المهابة وتُقذف في قلبه المهابة من عدوه وهو الوهن؛ لأنه آثر الحياة الدنيا على مطلوب الله - جل وعلا -، وهنا أيها الأحبة مرةً أخرى {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [آل عمران:175].
درجات الوهن
ويوضح د. العمر أن الوهن درجات، يزيد وينقص، كما أن الإيمان يزيد وينقص والمعصية تزيد وتنقص، فيختلف الناس في ذلك، لكن هنا مسألة دقيقة نبه إليها العلماء، بعض الناس يتصور ويبرر وهنه بتسلط الأعداء، يبرر ضعفه بتسلط الأعداء، ويقول: الأعداء متسلطون علينا، تكاثروا علينا، والصحيح وهو منطوق الحديث أن تسلط الأعداء سببه وجود الوهن؛ لأن الأعداء أصحاب مصالح، أصحاب دنيا فإذا وجدوا الأمة مُهابة وقوية لا يمكن أن يقدموا على حربها، لكن عندما يجدوا الأمة قد أقبلت على الدنيا وخافت من عدوها فإن هنا تتسلط عليهم، فإذًا المسألة عكس ما يتصور الكثيرون، هم يبررون وهنهم وضعفهم بتسلط الأعداء يقولون: ماذا نفعل؟ الأعداء متسلطون علينا، نقول: لا، الحقيقة أن تسلط العدو بسببكم أنتم، بسبب وهنكم وإيثار الحياة الدنيا وكراهية الموت وإلا لا يمكن أن يقدم عليكم العدو، هذه مسألةٌ تاريخية ثابتة وطبيعةٌ بشرية.
ومضى يقول: يتأول بعض الناس في موضوع الوهن وهو القعود عن الواجب سواءً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في قول كلمة الحق، في الجهاد في مواضعه (وأضطر أن أقول في مواضعه حتى لا يُفهم كلامي على غير محمله) هنا في هذه الحالة يستدلون {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] هذا خللٌ في الاستدلال، صحيح {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}، صحيح {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطلاق:7]، لكن ألم يأمر الله بالجهاد ويحرم الفرار يوم الزحف؟ مع أنه مظنة قتل، لو لم يكن بالوِسع ما أمر الله به؛ لأنه من القواعد الأصولية الكبرى أن الله لا يُكلف إلا بما يُطاق أبدًا، فهذا من التأول الباطل الذي يستدله بالبعض بأنه {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}، ومن قال لك: إن هذه المسائل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وقيام الأمة وقيام المؤسسات خارجٌ عن الوِسع، هذه مسائل ليس هنا تفصيلها، لكني هنا أصحح مفهومًا يقع فيه البعض، نعم، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}، إذا كان الضرر متحقق والمصلحة منتفية أو مظنونة، أما إذا كانت المصلحة محققة والضرر موهومًا أو مظنونًا فإنه هنا ما يتركه الواجب إلا من أصيب بهذا الوهن، مشيراً إلى أن هناك متأولين عن نصرة الحق وسببه الوهن وإن كانوا مع كل أسف يُظهرون غير ذلك، يبحثون عن مبررات غير صحيحة، بل وصل الأمر إلى أن هناك من يخدر ويقف مع أعداء الله من المنافقين وغيرهم وإن كان محسوبًا على الصالحين، وهذا أخطر من الوهن؛ لأن الوهن هو أن يتخلف الإنسان أو يضعف في القيام بالواجب، لكن أن يكون عونًا للظالمين، أن يكون عونًا لأعداء الله، أن يخدر، هنا الخطورة؛ ولذلك سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر لما سأله في أفضل الأعمال قال: «الإيمان ثم الجهاد. «
إلى آخر الحديث وهو في مسلم، أن تكف شرك عن الناس صدقةٌ منك عليهم.
وأكد د. العمر بأن هناك بعض الصالحين نتمنى أن يكفوا شرهم عن الناس، يشوهون سمعة الدعاة، سمعة المجاهدين، سمعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتأولاتٍ باطلة، وهذا بابٌ خطير، الإمام أحمد أيها الإخوة، إمام أهل السنة الذي ابتُلي كما تعلمون وعُذب وأوذي وسُجن بسبب وقوفه موقفاً صارماً في قضية القول بخلق القرآن ضد المعتزلة، هل تعلمون ونعلم كما ذكر العلماء ولولا أنه ذُكر في الذهبي وغيره أنه قاطع عددًا من الأئمة ومنهم يحيى بن معين وعلي بن مديني وإبراهيم الحربي وغيرهم وهم أئمة من أئمة الدين قاطعهم حتى ماتوا، لما؟ لأنهم تأولوا وضعفوا، لم يقولوا باطلاً، لكن تأولوا، لم يقفوا مع أهل الباطل وهم أئمة في هذا الدين، فقاطعهم حتى مات، فماذا نقول عن بعض الذين يقفون مع أعداء الله، يشوهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هؤلاء تعدوا مرحلة الوهن التي نتحدث عنها إلى مرحلة الموافقة لأعداء الله والمظاهرة لأعداء الله.
مظاهر الوهن
ويؤكد د. العمر أن للوهن تعظيم شأن الأعداء {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} [المائدة:22] كما قال قوم موسى، يا إخوتي هذا الباب عظيم جدًا، ذكر العلماء كلامًا في سورة المائدة في قول أصحاب موسى لما ناداهم، وقد ناداهم وقال لهم: إن الله كتب لكم الأرض المقدسة، كتبها الله لكم، فكانوا من كلامها {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى? يَخْرُجُوا مِنْهَا} تصوروا؟ هؤلاء قال العلماء: من هؤلاء الذين قالوا هذا الكلام السبعين، هم السبعون الذين اختارهم موسى - عليه السلام - للقاء ربه، تصوروا الصفوة، اختار سبعين رجلاً لميقات الله - جل وعلا - كما في سورة الأعراف فهم الخلاصة، ومع ذلك لم يثبت منهم عند المحنة إلا رجلان، غير هارون -عليه السلام - وموسى، وهم يوشع ورجلٌ آخر، والبقية كلهم قالوا: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] هذا وهن وتعدى الوهن لأنهم عظموا شأن الأعداء فقالوا: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى? يَخْرُجُوا مِنْهَا} فكان عقوبة الله العادلة لهم أنهم لا يستحقون شرف الجهاد؛ {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد:38].
أعظم المظاهر
ومضى د. ناصر العمر بالقول: إن تعظيم شأن الأعداء إذا دخل إلى القلب من أعظم ما يسبب الوهن ومن أعظم مظاهره، ومع كل أسف أن هذا موجود.
ثانيًا: التعامل مع المظاهر دون التعامل مع الحقائق، ما هي الحقائق؟ الحقائق هي الحقائق الإيمانية، يعني قد يكون المظهر فعلاً للأعداء قوة، كالأحزاب لما جاؤوا قوة لا تُقارن بالقوة التي كان يملكها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أيضًا في بدر لما جاء أبو جهل ومن معه في قوة من خرج لا يريدون القتال يريودن العير، فهناك من يتعامل مع المظاهر دون الحقائق، ومرةً أخرى مع قوم موسى لأن أكثر الله - جل وعلا - في القرآن من قصة أصحاب موسى وموسى وقومه لما فيها من العظة، {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] لأن البحر من أمامهم وفرعون ومن معه من خلفهم فهم يتعاملون مع المظهر، فقال للتأكيد، أكثر من مؤكد، إنا لمدركون، واللام، يرد عليهم موسى - عليه السلام - لأنه يتعامل مع الحقائق الإيمانية {قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62]، كلا كلمة زجر، فتأتي الفورية، {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء:63] الآيات.
إذًا من هذه المظاهر هو دون التعامل مع كل أسف مع الحقائق، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ هكذا يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] إذًا هذا هو الفرق بين المؤمن وبين الذي يتعامل مع الحقائق، ولا شك أن تضخيم الأعداء أو التعامل مع المظاهر دون الحقائق من هذه المظاهر، مع كل أسف من مظاهر الوهن ولينتبه كل واحدٍ منا إلى نفسه، نقد العاملين الجادين وتلمس أخطائهم من قبل القاعدين ليس من باب النقد الصحيح ولا التوجيه إنما تبرير لقعودهم؛ لأن الإنسان إذا كان قاعدًا أصابه الوهن لا يريد أن يُتهم بهذا الاتهام فتجده يُسلط لسانه على العاملين الجادين، هذا يتهم الهيئات وذاك يتهم الجادين وهذا يتهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهلم جرا، وهو كل هذا مداره ليس النقد الصحيح وإنما تبرير لقعوده كأن يقول: أنا لم أشارك لأن في كذا وكذا وكذا، وهذا مرضٌ نحن نتهم الناس التي ما يظهر من أعمالهم قلوبهم إلى الله - جل وعلا -، لكنه مظهرٌ موجودٌ اليوم.
ومن أعظم المظاهر الحياة بدون مشروع يفيد الأمة مع توافر الإمكانات للشخص والعوامل، في أكثر من مناسبة أسأل أبنائي وطلابي، هل لديك مشروع محدد؟ قال: لا، إلى متى؟ أين مشروعك في الحياة؟ الذي ليس لديه مشروع قطعًا هو يحب الخير ويحب نصرة الأمة أنا ما أتكلم عن الفئات الأخرى، لكن لأنه مصابٌ بالوهن والعجز القلبي، والعجز القلبي أخطر من العجز البدني لأن العجز البدني قد يكون صاحبه شجاعًا.
ثالثًا: من تلك المظاهر نقطةٌ من الصدق، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] هناك عاملون في الساحة، وهذا باب خطير جدًا أن يكون الإنسان يعمل بس حدًا لسقف لحدود عمله، وذلك ضعف العزم مع توافر الإمكانات وهذا الشي اشتكى منه عمر - رضي الله عنه -، وتعوّذ منه عمر - رضي الله عنه - لما قال: «اللهم إني أعوذ بك من جلد الكافر وعجز الثقة» الآن انظروا أهل الشر، قلة، شرذمة، كيف يعملون، كيف يخططون، وانظروا إلى أهل الخير كُثر فعلاً، لكن أين آثارهم، أنا لا أقلل ولا أبخس أحدًا حقه، لكن نتكلم عن مظاهر يجب أن نتقيها فكان حذيفة - رضي الله عنه - يقول: كان الناس يسألون الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن وسيلة عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فلما قد يكون البعض وقع في باب ضعفٍ أو وهنٍ ولم ينتبه له، وقلت: يتأول بحدود التكلف {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا} لا وهذا تأولٌ باطل، الشريعة أعظم من ذلك.
أيضًا هناك من يلتمس مبررات القعود، تطالبه في عمل في جد في عمل مؤسسي قال: {قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ} [البقرة:249] إذًا هناك من يبحث عن المبررات التي تبرر قعوده وجلوسه.
يا جاعل العلم له بازياً
يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها
بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنوناً بها بعدما
كنت دواء للمجانين
فلما جاءت ابن عُلية ذهب لهارون - رحمه الله - وقدم استقالته ورجع إلى ما كان عليه.
أسباب الوهن
وقال د. ناصر العمر إن من أسباب الوهن التي حددها النبي - صلى الله عليه وسلم - حب الدنيا وكراهية الموت، والله أعلم ما في القلوب، لا أحد يحق له أن يتهم حق أحد إنما يحكم على عمر كان الوحي ينزل فيكشف الله - جل وعلا - ما في القلوب، أما الآن فنأخذ الناس بمظاهرهم ولكن سرائرهم عند الله، لكن هذه مظاهر، ما هي أسباب الوهن؟ شخّصه النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الوهن حب الدنيا وكراهية الموت، الهوى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان:43] الجهل بعاقبة العمل في العاجل والآجل، الأوهام والوسوسة، وسوسة الشيطان {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران:175] فكثير ما يحتج به من احتج هي أوهام، أوهام، هم نصبوا لأنفسهم أوهاماً كالجبال ثم قالوا: هي عائق، هم الذين وضعوها وهي أوهام ووسوسة شيطان.
عدم وضوح الهدف، قرناء السوء لو كدت لتردين بعد أن قال: إنه كان لي خليل، فجلساء السوء من سبب الوهن، النفس {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:52] بل سولت لي نفسي {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}[ المائدة:30] {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف:11] لاحظوا إذًا هناك أنا وهناك نفسي في صراع، فالنفس تُقعد وتأمر بالسوء إذًا يجاهدها الإنسان؛ ولذلك تعلمون من أعظم الأدعية التي ندعو بها في كل يوم: «اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السموات والأرض، رب كل شيءٍ ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه» لاحظوا، قدم النبي- صلى الله عليه وسلم - شر النفس على شر الشيطان، لماذا؟ لأنك إذا حصّنت نفسك لا يستطيع الشيطان أن يصل لك، كما أنك لو حصّنت بيتك بسورٍ قوي، لا يستطيع اللصوص أن يقتحموه، وكما تعلمون في خطبة الحج العظيمة «ونعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا» فهذه كلها من أسباب الوهن.