محمد سليمان العنقري
بعد أن طرحت وزارة الإسكان بالتعاون مع الصندوق العقاري حصيلة جهودها لرفع نسب تملك السكن بإطلاق 280 ألف منتج، بات واضحاً الصعوبات التي تعتري تحقيق الخطط والأرقام المستهدفة لرفع نسب التملك المنشودة، ولأسباب كثيرة، فما تم طرحه قد لا يعادل حتى 20% من المنتجات السكنية المطلوبة حالياً بالسوق، إذا اعتبرنا أن عدد طالبي تملك السكن نحو 1،4 مليون وفق بعض التقديرات السابقة، فعلى سبيل المثال يتجاوز عدد من تمت الموافقة لهم على برنامج المنتج السكني بأول دفعة 700 ألف، وحتى لو اختلفت الأرقام وتداخلت مع المتقدمين لقروض الصندوق العقاري فإن العدد الفعلي لمن يطلب السكن ببرامج تملك هو كبير، إذ إن نسبة المتملكين حالياً 47%، أي إن من هم مؤهلين يصل عددهم 3 ملايين أسرة تسكن بمساكن لا تملكها تقريباً وفق إحصاءات قامت بها وزارة الاقتصاد في عام 2013م.
وبعيداً عن الأرقام وتفاصيلها كونها تتغير مع تطور عمل الجهات المعنية بالإحصاء، لكن الحقيقة التي تبنى عليها أساسيات مستقبل النشاط العقاري أن الطلب كبير ومسارات التملك محدودة، وكذلك أعمال التطوير ما زالت ضعيفة، والسوق لم ينعكس أثر كل الإصلاحات بالأنظمة والتشريعات عليه إلى الآن، فالأعمال تقاس بالنتائج وأهمها تظهر عندما يرى «المواطن أن طريقه لتملك السكن ميسر وسهل» وفق احتياجاته وقدراته. وقد جاء في آخر القرارات التي تدعم بها الحكومة قطاع العقار إنشاء «الهيئة العامة للعقار»، حيث أوضح معالي وزير الإسكان أنها «ستكون ذات استقلالية مالية وإدارية وتمتلك صلاحيات واسعة لاقتراح التعديلات والتحسينات على جميع الأنظمة واللوائح والسياسات ذات العلاقة بالأنشطة العقارية والرفع بها لاستكمال ما يلزم بشأنها، ووضع الخطط اللازمة لممارسة اختصاصاتها، ووضع المعايير للأنشطة العقارية وترخيصها والإشراف عليها».
فالهيئة وأضح أنها ستكون بالواجهة أمام كل أطراف السوق، فسيرتبط بها المطور وملاك الأراضي واتحاد الملاك ورسوم الأراضي والعديد من الأعمال التي تقوم بها الوزارة حالياً. فهل ستتمكن الهيئة فعلياً من تنشيط سوق التطوير العقاري وحل عقدة وإشكالياته التنظيمية والتمويلية؟ فالهيئات العقارية أو ما يشابهها عالمياً قدمت نماذج نجاح جيدة بالدول التي تعد رائدة بمجال التطوير العقاري واستطاعت أن تفرض واقعاً جديداً، لهذا النشاط الرئيس بأي اقتصاد وتمكنت من انتزاع صلاحيات جهات عديدة أو تغيير أنظمتها لتكون متوافقة مع الرؤية العامة بأن يكون القطاع العقاري قائداً للنمو الاقتصادي. فهل ستنجح الهيئة بتغيير أنظمة البلديات لتكون أكثر مرونة ومواكبة لواقع واحتياجات السكان حالياً، وهل ستوفر الهيئة الفرصة لإنشاء سوق تمويلية أكثر قوة لكل الأطراف في السوق؟
الحقيقة أن الوصول لهذا التأثير القوي يعتمد على نظام الهيئة ومستوى صلاحياتها ومجلسها الذي يجب أن تتوفر فيه عوامل التنسيق والانسجام لكي يصبح القطاع العقاري صناعة متكاملة، لكن أهم دور للهيئة بما يخص الفرد هو المعرفة التامة بأسباب تراجع قدرته على تملك السكن ووضع الحلول المناسبة مع زرع «الثقة والمصداقية بالسوق» لكي تكون الجهود موفقة لتيسير نشاط التطوير، فالفرد يهمه أن يتعامل مع مطورين بعقود تضمن له استلام مسكنه بالتاريخ المحدد دون تأخير وبالمواصفات المتفق عليها، والمطور يهمه أن لا تعيقه أي أنظمة من الجهات ذات العلاقة بأعماله الإنشائية أو التنظيمية، ويجب أن تكون السوق التمويلية نشطة وقوية حتى لا تتعطل الأعمال بأسباب تمويلية، فكثير من المنتجات والإجراءات التي اتخذت لتنشيط السوق أخيراً ما زالت بحاجة لإيضاحات، وكثير منها غير واضح.
هيئة العقار تمت المطالبة بها منذ سنوات واعتبرت أهم ما سيخدم القطاع من تنظيمات وهيكلة عند اعتمادها وبدء عملها، وها هي تصبح واقعاً بعد قرار إنشائها منذ أيام، لكن نجاحها ونجاح كل ما سينتج عنها يخضع لعوامل داخلية بها من حيث القوة والصلاحيات والمعرفة التامة بأوضاع السوق واحتياجات الأطراف به، فالمواطن طال انتظار الحلول التي تساعده على تملك السكن بعد مرور نحو ستة أعوام على إنشاء وزارة الإسكان دون تقدم واضح، فهل تحل الهيئة مشكلات ملف الإسكان وتحرك عجلة النمو بالقطاع الأهم اقتصادياً؟ والذي يمكن أن يسهم برفع معدلات النمو وتعويض تراجع أسعار النفط وتقلص الإنفاق الحكومي.