خالد محمد الدوس
علم الاجتماع من العلوم الإنسانية الحديثة التي تشكل المرتكز الأهم للدراسات الاجتماعية وأكثرها جذبًا للناس، ولكنه ليس أسهلها ولا أبسطها في الدراسة وذلك لأن العلاقات الإنسانية التي تمثل موضوع هذا العلم الحيوي يمكن أن تكون معقدة أشد التعقيد، كما يزيد من صعوبة هذه الدراسة ويعوقها، أن أهم جوانب العلاقات الإنسانية ليس واضحًا للعيان وليس ظاهرًا، بالإضافة إلى أن بعض جوانبها لا يمكن ملاحظته ملاحظة مباشرة، وهنا تكمن درجة الصعوبة والغموض.
ولقد اهتم عدد كبير من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب بالدعوة إلى إثراء هذا العلم الأصيل واستخدام مناهجه العلمية في دراسة المجتمع وظواهره واكتشاف قوانين النظام الاجتماعي الذي يحافظ على استقرار المجتمع وضبط توازنه، وقد ساهم كثير من المفكرين والمنظرين والعلماء في إثراء هذا الميدان العلمي الخصيب، وإشباع اتجاهاته السوسيولوجية،
ويعد الأب الخامس لعلم الاجتماع (ماكس فيبر) من أشهر علماء الاجتماع الألمان.. الذين نجحوا في تحويل علم الاجتماع إلى علم عصري حديث ومازالت أفكاره ونظرياته سارية وصالحة إلى الآن رغم مرور 100 عام على رحيله.
ولد ماكس فيبر من أسرة بروتستانتية في ألمانيا عام 1864-1920م من الجناح اليميني للأحرار وتلقى تعليماً واسعاً في الاقتصاد والتاريخ والقانون والفلسفة اللاهوتي وتربى في ظل الفلسفة المثالية الألمانية، وفي عام 1889م نال فيبر شهادة الدكتوراه عن أطروحته الموسومة بتاريخ الشركات التجارية القروسطية، وفي عام 1892 نال درجة الأستاذية عن أطروحته الموسومة «التاريخ الروماني الزراعي وأهميته للقانون الخاص والعام»، وفي عام 1894 بدأ عمله في جامعة فرايبورغ أستاذاً للاقتصاد السياسي، ثم التحق عام 1896م بجامعة هايدلبرغ، ولذلك فإن العالم ماكس فيبر يعتبر من مؤسسي الجمعية الألمانية لعلم الاجتماع بعد أن شارك في تأسيسها عام 1909م، كما يعتبر أحد المؤسسين للحزب الديمقراطي الألماني عام 1919م، وفي نصف العام كتب عملين مهمين هما العلم كمهنة والسياسة كمهنة. ويعد فيبر من أبرز من أسهموا في دراسة السلطة والنفوذ والهيمنة والبيروقراطية والنظام انطلاقاً من تصورات مفاهيمية. وأطلق عليه اسم الفعل الاجتماعي الذي ينقسم إلى أربعة أنواع من الفعل ينتج عنها ثلاثة أنماط من السلطة أو النفوذ تؤدي بالتالي إلى ثلاثة أشكال من البيروقراطية.. وهي البيروقراطية الكارزمية أو الملهمة، والسلطة التقليدية، والسلطة العقلانية القانونية.
كما اهتم ماكس فيبر بمعالجة الظواهر والقضايا السوسيولوجية من خلال استخدامه لمقولة الفهم والمعنى عند تفسير هذه القضايا واعتمد على دراسة التاريخ والأحداث التاريخية أو ما يسمى بمناهج التحليل التاريخي الذي استخدمه كثيراً في دراسته للعديد من المشكلات الاجتماعية والظواهر، ولذلك من الصعب تقييم أعمال العالم الألماني ماكس فيبر ونظريته، ولكن إنتاجه العلمي كان ممتعاً فدراساته عن نظرية البروتستانتية، أو نظرية المعرفة والبيروقراطية، بالإضافة إلى اهتمامه كثيراً بعلم الاجتماع الديني والدولة والسلطة والمنهجية، وما تزال هذه الأعمال الخالدة والإسهامات السوسيولوجية تحتل أهمية كبرى في ميادين علم الاجتماع الخصيب، بعد أن لعب دوراً محورياً في بلورة وصياغة النظرية الاجتماعية المعاصرة، وترك مؤلفات في المجال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهي ما يلي:
1 - نظرية التنظيم الاقتصادي والاجتماعي.
2 - تاريخ الاقتصاد في أوروبا.
3 - التاريخ الاجتماعي في أوروبا.
4 - منهجية العلوم الاجتماعية.
5 - المدينة.
6 - الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية.
7 - الدين في الهند.
8 - علم الاجتماع الديني.
9 - المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع.
10 - السلطة السياسية.
ومن خلال هذه المعطيات السوسيولوجية، والمنجزات العلمية كان (الفكر الفيبري) يعتبر واحداً من أكثر علماء الاجتماع الذين يأخذ عنهم المختصون أفكارهم ونظرياتهم. وبالذات من خلال كتابه «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية» عن العلاقة بين الدين والرأسمالية مازال يشغل العلماء منذ عشرات السنين.. وحتى بعد مرور حوالي 100 عام على وفاته، مازالت كتبه التي تصف العالم الحديث تُقرَأ في شتى أنحاء العالم، كما تتم ترجمتها وشرحها من جديد. كان ماكس فيبر يحب تجاوز حدود التخصص العلمي الواحد. وقد تأثر في تنوعه المبدع بالخبرات التي اكتسبها بين صفوف الأساتذة في المدينة الجامعية الشهيرة، هايدلبيرغ، حيث شغل منصب بروفيسور سنوات عديدة. بحق أن رائد علم الاجتماع في ألمانيا العالم الفذ (ماكس فيبر).. ترك بصماته ولمحاته على أهم العلوم الإنسانية والاجتماعية.. ومازالت مدرسته وأفكاره تلاقي اهتماماً متزايداً بين علماء وباحثين معاصرين يحاولون تفسير مستجدات الساحة الاجتماعية واكتشافها من جديد ولا غرابة من ذلك فقد برع صاحب الفكر الفيبري في إنتاج تحليل اجتماعي وثقافي واقتصادي لا مثيل له في تاريخ العلوم الاجتماعية والإنسانية الحديثة. قبل أن يتوفى بشكل مفاجئ عام 1920م، ضحية لوباء الإنفلونزا العالمي عن ستة وخمسين عاماً، تاركاً ميراثاً علمياً رفيع المستوى يتناوله كل الباحثين والمهتمين في حقل أبو العلوم الاجتماعية (علم الاجتماع).
... ... ...
المرجع: كتاب علم اجتماع البيئة للمؤلف خالد محمد الدوس