عبد الله باخشوين
(لا يوجد ما هو أسوأ من الموهبة الضائعة)..!
هذه العبارة (التقطها) من نهاية أحد أفلام المخرج مارتن سكورسيزي.. وردت على لسان روبرت دي نيرو.. وهو يقف أمام جثمان زعيم عصابة الحي الذي يقطنه (نسيت اسم الفيلم).. وبقيت العبارة تطن في رأسي سنين.. وكنت كلما تذكرتها تذكرت معها لاعب نادي (الرياض) الموهوب (طلال الجبرين) الذي أعتقد أنه أكثر لاعب وسط موهوب..تعرّض لتجاهل وعدم اهتمام من (كل) وسائل الإعلام الرياضي.. رغم أنه كان يمثّل الاختيار الأساسي لمدرب منتخب المملكة (سولاري) وأشركه أساسياً في (تشكيلة) المنتخب المشارك في كأس العالم بأميركا.. والمنتخب الحائز على كأس الخليج في نفس العام.. وكان ضمن تشكيلة المنتخب (الذهبي) الذي يضم ماجد، الخليوي، جميل، العويران، عبد الجواد، الهريفي، وسامي الجابر.. وغيرهم وكان أساسياً في تشكيلة ناديه ولعب معه نهائي (كأس ولي العهد) عام 1995.. قبل أن يضطر للابتعاد عن الملاعب نتيجة لاستمرار خلافه مع إدارة ناديه... واعتبرته موهبة ضائعة لعدم التقدير وللتجاهل الإعلامي.
و(المواهب الضائعة) كثيرة جداً.. لأسباب تتعلّق بالبناء النفسي وقوة الإرادة والغرور والرخاء المادي واللا مبالاة وعدم معرفة مصدر القوة الذي تمثّله الموهبة.. وقهر الظروف الاجتماعية.. غير أن الذي يؤلم ويدعو للأسف هو ضياع الموهبة الشابة والمعوقات التي تقف في طريقها.. والتي تجد من يتعمد وضع المعوقات بدأب وإصرار دون خوف من حساب أو عقاب.. والسعي لإضاعة المواهب يشمل كل المجالات تقريباً.. وإن كنا نراها بوضوح عبر قنوات الفن والإبداع
وكل الأعمال التي تخوضها مواهب شابة ذات اتصال جماهيري.
طبعاً.. هناك أسماء تتداخل مع أصحاب المواهب ولا أحد يذكرها في أي مجال نشطت فيه.. بعضها يعرف أنه (طارئ).. وفوق (البيعة) لا تجديه مزاحمة ولا هو موضوع منافسة وليس لديه ما يضيفه.. وفي أحسن الأحوال يكون دوره محاولة وضع وصنع المعوقات وبطريقة غبية ويائسة لا جدوى من اعتبارها أو الاهتمام بها أو التعويل عليها.
هؤلاء يعرفون أنهم ليسوا سوى (أصفار) ولا يدخلون في (الأرقام) ولا في العملية الحسابية كلها.. لكنهم يعيشون ويستعيشون كغيرهم من عباد الله.
أما (الموهبة الضائعة) فهي شيء آخر.. لأنها تضع من يتابعها في حالة من الألم والإحساس بالفقد والخسارة.. قد لا يتمكّن المرء من معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت لضياع الموهبة.. لكنه لا يستطيع التخلّص من الشعور بالندم لفقد الموهبة وخسارتها.. خاصة إذا بدت (مشعة) وواعدة.
أما الحالات الأخرى فقد جاءت في مطلع فيلم (الساحر لأنتوني كوين) كافتتاحية لصوت يقول:
- (أنا أملك كل مؤهلات الشاعر لكني لا أستطيع كتابة الشعر... أنا رسام أملك كل أدوات الرسم لكني لم أتمكن من رسم لوحة واحدة) ثم تبدأ تحديات أحداث ذلك الفيلم الغريب الشاعري الجميل المنقول عن رواية الكاتب الإنجليزي جون فاولز وترجمتها (دار الهلال) قبل أكثر من عشر سنوات.