اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وفي السياق نفسه قال الأمين العام لحلف الناتو: لقد عرفنا الفضاء الإلكتروني بأنه مساحة عسكرية معقدة، وهناك مساحات بحرية وبرية وجوية والآن تمت إضافة الفضاء الإلكتروني إليها ومجال المواجهة في الفضاء العسكري آخذٌ في التبلور، وأصبح الصراع في المجال الثقافي والإيديولوجي أكثر تعقيداً.
وقد عرّف أحد الكتاب الروس الحرب الهجينة بأنها مجموعة واسعة من العلنية والسرية العسكرية وشبه العسكرية والمدنية وكذلك التدابير المستخدمة في تصميم متكامل، وقد ورد على لسان أحد رؤساء الأركان الروس ما نصه: أن استخدام الإجراءات غير المتكافئة وغير المباشرة وأساليب شن حروب هجينة تسمح بحرمان الجانب الآخر من السيادة الفعلية دون الاستيلاء على أراضي الدولة المستهدفة بالقوة العسكرية، كما ورد في مقال كتبه رئيس الأركان الروسي نفسه بأن قواعد الحرب تغيرت ونما دور الوسائل غير العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية حيث اتجه الصراع نحو الاستخدام الواسع للإجراءات السياسية والاقتصادية والمعلوماتية وغيرها من الإجراءات غير العسكرية.
والصراعات الهجينة تعتبر صراعات غير متكافئة يتم إثارتها من الخارج لمصلحة القوة الكبرى التي تثيرها كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي وجدت ضالتها في الحروب الهجينة لعرقلة بناء نظام متعدد الأقطاب من أجل استمرار أحاديتها القطبية ونظام العولمة الذي تسيطر عليه من خلال القتال بأرواح وأموال الآخرين ونظرية الفوضى الخلاقة وما أفضت إليه من حروب هجينة نجم عنها تحولات كبيرة في المفهوم التقليدي بالشكل الذي تغير بموجبه المظهر والجوهر دون أن يكون ذلك على حساب المصالح العليا المرتبطة بالحرب التقليدية والغرض منها كما أشار إلى ذلك المنظر كلاوز فيتز في قوله: الغرض من أي حرب هو تحقيق السلام بشروط مواتية للمنتصر.
والإدارات الأمريكية المتعاقبة تجيد توظيف استراتيجيات الحروب غير التقليدية بما يخدم مصالحها ولها باع طويل في توجيه الحملات التي يغلب عليها طابع التهجين، مستفيدة من القيادة عن بعد بالشكل الذي يضمن لها تحقيق أهدافها بأقل التكاليف ويعفيها عن المسؤولية بالإضافة إلى وجود بعض القيود التي تمنعها من التدخل المباشر.
وقد ضاعفت هجمات الحادي عشر من سبتمبر من مبررات اللجوء إلى الحرب الهجينة حيث استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الموقف لتتخذ من ذلك ذريعة لشن الحرب على الإرهاب، إنفاذاً لاستراتيجيتها المرسومة وسياستها المعلومة واعتماداً على الثورات الملونة، والحرب المهجنة والقوة الذاتية المتمكنة دون أن تراعي سيادة الدول وحرمة أراضيها كما حصل في أفغانستان والعراق وسوريا ويحصل الآن في أوكرانيا.
وثورات الربيع العربي التي تقف خلف إثارتها الإدارة الأمريكية في عهد أوباما، ما هي إلا وجه للحرب الهجينة والوجه الآخر هو الحرب غير التقليدية المنتظرة التي جرى التخطيط لها على شكل صراع غير مباشر يتألف من حرب العصابات والحرب بالوكالة والعمليات الإرهابية والإجرامية والطابور الخامس من العملاء والجواسيس وما في حكم ذلك من مكونات الحرب المركبة التي تهدف إلى إحداث الفوضى وإسقاط النظم الحاكمة عن طريق إثارة الفتن وتأليب الشعوب ضد حكوماتها في الدول المستهدفة، وتعد ليبيا أوضح مثال على ذلك.
ومن أساليب الحرب الهجينة التي تضمنها المذهب العسكري الأمريكي وضع الدولة الخصم في مواجهة مع شعبها بغية إلحاق الضرر بهذه الدولة في حالة انتصار الشعب أو انتصار السلطة، وذلك حسب منطوق القاعدة الاستراتيجية التي يطلق عليها «حرب إفشال الدولة الخصم».
وتبني نظرية نشر الفوضى واستخدام الحروب الهجينة من قبل الإدارة الأمريكية بقدر ما يهدف ذلك إلى استمرار نفوذها ومواجهة خصومها بصورة غير مباشرة تمتطي من خلالها الدول الأخرى نحو تحقيق أهدافها الجيواستراتيجية والجيوسياسية بقدر ما يوحي هذا الأمر بوجود نية لدى أمريكا بمقايضة موقعها كشرطي للعالم مقابل الموازنة حيناً والمزاوجة أحياناً بين القيادة عن بعد مستفيدة من الآخرين وبين الظروف والمواقف الاستثنائية التي تستدعي العمل المباشر ورفع شعار إما معنا أو ضدنا وكما قال أوباما يجب على أمريكا أن تقود على المسرح العالمي، لكن العمل العسكري الأمريكي لا يمكن أن يكون المكون الوحيد لقيادتنا في كل حالة لأن لدينا أفضل مطرقة لا تعني أن كل مشكلة هي مسمار.
وروسيا هي الدولة الأخرى التي لها تجربة طويلة في ميدان الحرب الهجينة التي تخوضها باحترافية متناهية فتارة تنفذها على هيئة مقاربة عدوانية لا تصل إلى مستوى الاجتياح الشامل والمفهوم الكامل، وتارة تذهب بها بعيداً مستخدمة مختلف الأساليب والوسائل المباشرة وغير المباشرة كما هو الحال في سوريا وأوكرانيا.
وما يحصل في سوريا هو تطبيق متكامل الأركان ومتعدد الأبعاد للحرب الهجينة حيث إن القوات الروسية وقوات النظام وميليشياته ومختلف المليشيات الإيرانية وحزب (اللات) اللبناني والتنظيمات الإرهابية تشترك جميعها في صراع هجين تُخاض فيه الحرب النظامية وحرب العصابات والحرب بالوكالة والأعمال الإرهابية والإجرامية ضد الشعب السوري الذي ينظر الروس إلى مقاومته للاحتلال الأجنبي ونشر التشيع المذهبي بأنه ثورة ملونة وعملية مهجنة.
وفي عام 2014 بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي للروس رفعت روسيا شعار الانتماء القومي وقامت بضم جزيرة القرم إليها كاشفة عن حربها الهجينة وقدرتها على توظيف أساليب ووسائل هذه الحرب بشكل واضح توطئة للصراع القادم وتحسباً للمستقبل القاتم، مازجة بين العناصر غير المتجانسة والوسائل والأساليب المعقدة في قالب هجين وصراع يستمر إلى حين.
والسلاح النووي يمثل سلاح ردع يردع أي طرف من أطراف الصراع من شن حرب يفكر في القيام بها واستراتيجية الردع في واقعها الحقيقي وما ينبثق عنها من نظريات وإستراتيجيات تمنع الدول النووية من الدخول في مواجهة عسكرية وحرب مباشرة بينها.