عبدالرحمن الحبيب
تقديرات متوسط حرارة الأرض سجلت رقمًا قياسيًا جديدًا منذ بداية هذا الشهر (3 يوليو)، بينما عادة درجات الحرارة الأعلى في السنة تأتي في وقت لاحق من هذا الشهر.. يقول الخبراء إن السرعة والتبكير «غير مسبوقين» ويحذرون من أن المزيد من التغيرات قادم.. فما الذي يحدث؟ هل هو السبب الشائع الذي يرجع ذلك إلى سماكة غطاء الغلاف الجوي نتيجة الانبعاثات الغازية مسببة احتجاز حرارة الشمس فتمتصه الأرض، أم هي التقلبات الطبيعية؛ أم أن هناك أشياء أخرى أكثر تعقيداً؟
درس خبراء في بريطانيا وأمريكا وهولندا في مجموعة World Weather Attribution موجات الحرارة الأخيرة لتحديد نمط تغير المناخ، باستخدام نماذج الكمبيوتر لمحاكاة عالم افتراضي بدون تأثيرات الانبعاثات التي يتم ضخها في الغلاف الجوي إلى درجات حرارة العالم الحقيقي التي شوهدت خلال موجات الحر. خلصت الدراسة إلى أن موجات الحر التي ضربت أوروبا والولايات المتحدة في يوليو كانت «مستحيلة عملياً» لولا تغير المناخ نتيجة عقود من ضخ البشر غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. وقال فريدريك أوتو من جامعة إمبريال كوليدج بلندن: «تؤكد هذه الدراسة ما كنا نعرفه من قبل. إنها تظهر مرة أخرى كيف يلعب تغير المناخ دوراً في ما نشهده حاليًا».
لكن ثمة خبراء آخرون يؤكدون أنه لا يمكن ربط جميع ظواهر الطقس المتطرفة بشكل مباشر بتغير المناخ الذي تسببه الانبعاثات الغازية، لأن أنماط الطقس الطبيعية يمكن أن تلعب دوراً أيضا. فإذا كانت تلك الانبعاثات الغازية من صنع الإنسان وينبغي التحكم فيها، فهناك أسباب أخرى طبيعية لا علاقة للإنسان بها وقد تكون لها علاقة بارتفاع الحرارة، وينبغي أخذ الاحتياطات لها، ومن وأشهرها النينيو أو التذبذب الجنوبي (إنسو) وهو نمط مناخي يتصف بالاحترار غير العادي للمياه السطحية في شرق المحيط الهادئ الاستوائي، ويضيف إليها الدفء. إنسو هو حراك مائي ذهابًا وإيابًا في رياح وتيارات المحيط الهادئ الاستوائي حيث المياه تمتص مزيدًا من الحرارة، وفي بعض الأحيان تعطي مزيدًا من الحرارة للطقس؛ وفي يونيو الشهر الماضي، دخل العالم في مرحلة «النينيو»، حيث تم إطلاق الحرارة. التأثير الأكبر لظاهرة النينيو على درجات الحرارة العالمية يميل إلى الظهور بعد أن استمر لمدة عام تقريباً، ودرجات حرارة المحيطات اليوم تبدو كدليل على بداية انطلاق حرارته هذه. وفقًا لجيمس هانسن، عالم المناخ في جامعة كولومبيا، فإن نوعية هذا الصيف الحار الذي سابقاً يحصل مرة واحدة في القرن بين الخمسينيات والثمانينيات من القرن الماضي أصبح حدثًا مرة كل خمس سنوات الآن.
ليس هذا فحسب، بل هناك أسباب أخرى لارتفاع الحرارة، قد تكون مجرد نسبة إضافية وقد تكون أعقد من ذلك، يقول مايلز ألين، خبير نماذج المناخ في جامعة أكسفورد: «لن أتفاجأ إذا رأينا أوراقًا علمية تظهر على مدى السنوات القليلة المقبلة وتقول إن شذوذ المحيط الأطلسي أكثر من مجرد تطرف آخر». بمعنى أن عدة عوامل يمكن أن تؤدي إلى تسريع الاحترار. أحدها هو التغيير في طبقة الستراتوسفير (إحدى طبقات الجو العليا) الناجم عن ثوران بركان هونغا تونغا - هانغا هاباي، وهو بركان تحت قاع المحيط الهادئ، ففي يناير 2022، أطلق قدراً كبيراً من بخار الماء ما بين 70 و 150 مليون طن.. ويُعتقد أن ثوران الهونغا قد أدى إلى زيادة كمية بخار الماء في الستراتوسفير بنسبة 13 %، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تدفئة الكوكب، على الرغم من أنه إذا لعبت الهونغا دورًا، فهو دور بدأ يتضاءل بالفعل (مجلة الإيكونيميست).
الميثان أحد الغازات التي زادت انبعاثاتها في الجو، وترجع أساسًا إلى زيادة استخدام الوقود الأحفوري والتوسع الزراعي، لكن هناك تأثيرات أخرى إضافية محتملة، مثل التشميع، فعندما تنتهي العصور الجليدية، ترتفع مستويات الميثان في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى مناخ أكثر دفئًا في فترة ما بين «عصرين جليديين» في المستقبل. يستشهد بعض العلماء بالزيادات الأخيرة في مستويات الميثان كدليل على أن شيئًا مشابهًا قد يجري حالياً؛ لكن هناك دراسات بحثية تشكك في ذلك وأنه لا يمكن تفسير كل الميثان الإضافي بهذه الطريقة. هناك تأثيرات إضافية أخرى وغير مباشرة تُقترح كأسباب تخمينية يطرحها الباحثون بأن الميثان الإضافي قد يأتي من نمو نباتات الأراضي الرطبة الاستوائية، التي تنتج الغاز عندما تتعفن..
هناك من يطرح احتمالاً إضافياً آخر، فبما أن جزيئات الكبريتات الموجودة في الغلاف الجوي السفلي تعكس ضوء الشمس مما يبرد المناخ رغم التأثير الضار صحيا لتلوث الهواء بهذه الجزيئيات، فإن انخفاض انبعاثات الكبريت كتأثير جانبي قد يشكل عاملاً مساعداً للاحترار. ورغم أن دراسة أجراها الدكتور آلن وزملاؤه ونشرت العام الماضي تشير إلى تأثير الانبعاثات والجزيئات الدقيقة في الجو، لكنها تحذر من أن «قياس دور التأثير البشري في هذه الحالات غير المسبوقة على ما يبدو أمر صعب».
الصيف لم ينته بعد، وربما هناك المزيد من المفاجآت، لا سيما سلسلة درجات الحرارة القياسية في شمال المحيط الأطلسي، التي قد تساعد في تقريب تفسيرات مناسبة لذلك..