سهوب بغدادي
«أثق فيه أكثر من نفسي»،»لن يفرقنا سوى الموت»، «انتشلني من التعاسة»، «هي كل حياتي»، «من غيرك حياتي ما تسوى»، جمل تقال وتسمع في الحياة اليومية وفي المسلسلات والأفلام الرومانسية، وقد يختلف السياق باختلاف الشخص المعني بالمقصود، فإن كانت للوالدين فلا بأس، وأمر مقبول، ولكنني أقصد هذه الجمل التي تقال لصديق، أو زوج أو زوجة، فكل شيء متغير ولا ثوابت في الحياة سوى الله جل في علاه، ليس كلامي من باب التشاؤم أو السلبية-معاذ الله- إلا أننا نتفاجأ بتصريحات حالمة تأخذنا فوق السحاب، من الشخصيات الشهيرة وبعضها قديرة وذات ثقل، عن علاقاتهم بأزواجهم، «دعيت ربنا أموت في حضنه» حتمًا، بالغت تلك الشخصية بوصف زوجها وحبها له، ونستذكر المقولة الرائجة «لا تقطع وعدًا وأنت سعيد، ولا ترد وأنت غاضب، ولا تقرر وأنت حزين» وأضيف عليها «لا تبالغ ولا تستميت في الحب وأنت في البدايات».
نعم، البدايات وما أدراك ما البدايات، تلك التي تعمي الأبصار والأفئدة، وتعرقل الحواس، وذلك أمر بديهي ومثبت علميًّا في تشخيص دورة الحب والافتتان، قد يعد التسلح بالعلم في نطاق المشاعر الإنسانية مسعفًا في أحيان كثيرة، ما أثار حفيظة المتابعين للشخصيات لم يكن في فورة التصريح الهائم، بل ما تلاه من طلاق, وقس على ذلك الكثير من الوعود اللحظية والبهرجة الرومانسية التي لم تعد تغري المشاهد، فكيف بمن صرح أن يعيش لاحقًا مداهمًا بدل تصريحه الأهوج؟
في المقابل، لا أعلم هل وصل المتابع إلى مرحلة من الوعي بما يدور حوله، أم أنه فقد الثقة في الأشخاص ومصداقية العلاقات الإنسانية؟ فلم يعد هناك انبهار ولا زخم فيما نراه من استماته وتهور في المشاعر، بالطبع، ليس كل شخص خائنًا ولا كاذبًا، ولا راحلًا، هناك من يثبتون ويبقون ويتأصلون في الروح قبيل الشغاف، ومن يدفعك بطيب عشرته ومواقفه لقول ما يقال بل فعل ما لا يفعل دون سابق إنذار، إلى ذلك الصديق البعيد القريب، هو في بلد آخر ولكنه أقرب من نفسي إليّ، أسامره في خيالي في تيه الليالي، وأرشف من لحظ ذكرياته لأمضي في حاضري، إلى ذلك الشخص الذي علمنا الثقة والأمان، الأمان في حضرة النفس من النفس، مما تقول وتفعل، ومن هفواتها وسكناتها وتناقضاتها وزلاتها كبيرة كانت أم صغيرة، شكرًا لأنك جعلتني كما أنا.
تنبيه: قد يكون شخصًا تخيليًّا وعلى الرغم من ذلك، شكرًا.