اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
أعلم يقيناً أن السعوديين هم أكثر شعوب الأرض إدراكاً لمكانة بلادهم، وحباً لها ولقيادتها الرشيدة. وبالمقابل، أعلم أن قيادتنا الرشيدة هي أكثر قيادات الدول حباً لشعبها ووفاءً لهم، وحرصاً على مصلحتهم، وسعياً لراحتهم ورفاهيتهم، وحفظ كرامتهم واستغلال بلادهم. كما أدرك جيداً أيضاً أن السعوديين لا يعيرون أدنى اهتمام لتلك الأصوات النشاز التي تزايد عليهم في حب بلادهم، لإدراكهم الواعي لما فضلها الله به على سائر بقاع الدنيا؛ إذ جعل فيها أول بيت وضع للناس، قبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يولون وجوههم شطرها خمس مرات في اليوم، ويأتونها كل عام من كل فجٍّ عميق للحج والعمرة، وليشهدوا منافع لهم، وللسلام على رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وبالمثل، لا يعير السعوديون أذناً صاغية للقومجية الثورجية من المرتزقة المأجورين هنا وهنالك، عبدة الدرهم والدينار، الذين يحاولون يائسين الارتزاق من التشكيك في وفاء قيادتنا الرشيدة لشعبها، وولاء الشعب لقيادته.. فقد أصبحت تلك بضاعة كاسدة وتجارة خاسرة، وحكايات رخيصة مبتذلة ممزوجة من نسج الخيال والمكابرة، في محاولات مستميتة لمغالطة الحقائق وتكذيب الواقع الذي يراه السعوديون بأم أعينهم ماثلاً أمامهم، ويلمسونه في كل ربوع بلادهم على اتساعها، عملاً وإنجازاً وإبداعاً من قيادتهم الرشيدة في كل مجالات الحياة، بل أكثر من ذلك: ينجزون هم أنفسهم ذلك كله بدعم سخي صادق من قيادتهم الرشيدة ومتابعتها الحثيثة لحظة بلحظة.
ويكفي فقط أن يعلم أولئك المأجورين الذين يعملون لصالح أجندة خارجية، يزعجها ما تحققه السعودية من أعمال وإنجازات وإبداعات لشعبها على الدوام.. أقول يكفي أن يعلم أولئك المرتزقة أن وكالة موديز العالمية التي تعد أحد أكبر ثلاث وكالات تصنيف ائتمانية عالمية موثوقة، رفعت تصنيف بلادنا الائتماني إلى (Aa3) بينما أنا أكتب هذا اليوم. الأمر الذي يعني تحقيق تنوع اقتصادنا قفزات حقيقية كبيرة؛ وبالتالي الحد من تأثر ارتباط تنميتنا بسوق النفط، نتيجة نمو قطاعاتنا الاقتصادية غير النفطية. ولعمري في هذا دليل دامغ على نجاح برامج رؤيتنا (2030) الطموحة الذكية التي هندسها ولي عهدنا القوي بالله الأمين، حتى قبل موعدها المحدد.. وقطعاً سيفغر أولئك وغيرهم من المأجورين فاهاً عند اكتمال مشروعات الرؤية بنهاية عام (2030) لما سيرونه من تنمية مدهشة، تضع بلادنا في مصاف الدول المتقدمة.
وما يثلج الصدر حقاً أن السعوديين، صغيرهم قبل كبيرهم، أصبحوا اليوم يدركون جيداً هدف أولئك المأجورين أصحاب البضاعة الكاسدة والتجارة الخاسرة، الذين هم سوس حقيقي ينخر في جسد المجتمعات حتى يهدم كيان الدولة ليشيع فيها فوضى عارمة، فيختلط حابلها بنابلها؛ وليس دول (الخريف العربي) عنَّا ببعيد؛ إذ عملت فيها فئة رخيصة نذلة من مواطنيها جواسيس حقيرة على تراب بلدانهم وأرواح شعوبهم وأعراضهم ومقدراتهم، فأشعلوا فيها فتيل حروب أهلية، وقودها المساكين والأبرياء، حرقت الأخضر على ندرته، كما لم ترحم حتى اليابس. وحولت كل تلك الدول إلى دول فاشلة، استنزفت شعوبها ثرواتها كلها في قتل بعضها البعض بالمجان، وتدمير بنيتها التحتية على تواضعها، والعودة بها إلى عصور الظلام؛ لينتهي معظم شعوبها من المغلوبين على أمرهم، إلى معسكرات نزوح بائسة حزينة كئيبة داخل حدود تلك البلدان الخراب، لا تؤمنهم من خوف ولا تطعمهم من جوع، أو إلى هجرة خارج الحدود، ليفترش معظم المهاجرين الأرض ويلتحفون السماء، خاصة في تلك الدول الغربية التي خدمها أولئك المرتزقة المأجورون، لتدمير بلدانهم لقاء حفنة من الدراهم والدنانير. وأحسب أنني لست في حاجة لكي أعيد على مسامعك أيها القارئ الكريم، (حدوتة) حقوق الإنسان والحرية والسلام والعدالة وغيرها من شعارات حق براقة، لم يرد بها مرددوها غير باطل. ولنستحضر في أذهاننا أيضاً حكاية ذلك المأجور الخائن، الذي ساعد نابليون بونابرت على السيطرة على بلاده واستعمارها، ثم جاء إلى نابليون مزهواً، لا يطلب ثمناً (لحسن صنيعه) غير التشرف بتقبيل يد الإمبراطور؛ فرمى له نابليون صرة فيها حفنة دراهم، ثم دفعها نحوه بقدمه، إمعاناً في الذل قائلاً: (تستحق هذا مكافأة لخدمتك، غير أن يدي لا تصافح الأنذال الذين يخونون أوطانهم أمثالك).
على كل حال، أحسب أنني لست في حاجة لأعدد دول (الخريف العربي) التي تحولت إلى خراب ينعق فيه البوم، بعدما كانت ذات يوم تضج بحياة صاخبة، بسبب عمالة بعض بنيها، غير أنني أؤكد للجميع ملء الفيه، أن السعوديين لن يقايضوا حتى و لو ذرة واحدة من رمال بلادهم المقدسة العزيزة الغالية التي ليس مثلها في الدنيا وطن، ولو كان ذلك بكنوز الدنيا كلها. لأنهم يدركون جيداً أكثر من أي مرتزق مأجور، أو حتى القوة الغاشمة التي تستغل أولئك المرتزقة، أنه لا يوجد في الدنيا كلها دولة هي بمثابة حضن دافئ لكل مواطنيها، مثلما هي السعودية لشعبها، بل حتى للوافدين إليها من كل قارات العالم، الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت في مواطنهم الأم، بسبب السلوك غير السوي لفئة الأنذال من أبنائها تلك.
فلينعق البوم صباح مساء، ولتمضي قافلة خيرنا القاصدة تحث السير قدماً نحو الشمس، لا يطربها ثناء مادح، ولا يوهن عزمها هجاء قادح.
فاللهم وفق قادتنا وأحفظهم، وأجزهم عنَّا كل خير، واحفظ بلادنا من كيد الخائنين، ووفقنا جميعاً لكي نكون خير مواطنين لخير أوطان الأرض.