العقيد م. محمد بن فراج الشهري
الكاتب الأمريكي لورنز فيندو، الذي أمضى أكثر من عشر سنوات في أبحاث عن الإسلام السياسي في الغرب، يضيف أبعاداً أخرى لعلاقة الإخوان بالدول الغربية لاستخدامها في خطط إنزال هزيمة بالحركات المناهضة للاستعمار وأجهزة مخابراتها، ويقول إن عملاء بريطانيا ساعدوا على إنشاء جماعة الإخوان وهو ما شرحه في كتابه «القاعدة في أوربا – ميدان المعركة الجديد للجهاد العالمي»، الصادر عن مطبوعات جامعة كولومبيا، كما تابع المؤرخ مارتن فرامبتون، عرض تفاصيل هذه الخطط، عندما قررت الولايات المتحدة أن تواجه الاتحاد السوفيتي باستخدام جماعة ترفع شعار الإسلام السياسي، مثل الإخوان المسلمين، وبدأ الدبلوماسيون الأمريكيون في سفارتهم بالقاهرة، يقترحون على وزارة خارجيتهم في واشنطن دعوة عدد من قيادات الإخوان لحضور مؤتمر يتم الإعداد له في واشنطن. وكان هذا الاقتراح انعكاسا لدعوة نادى بها برنارد لويس في مقال نشره، واقتنع به جون فوستر دالاس وزير الخارجية آنذاك.
وأوضح أحد أعضاء السفارة لوزارته إن جماعة الإخوان ستتحمل نفقات رحلة أعضائها إلى الولايات المتحدة، ولكنه نبه رؤساءه إلى الحرص على حسن معاملتهم. وتم ترتيب اللقاء في جامعة برينستون في واشنطن تحت زعم انعقاده كمؤتمر ثقافي لقيادات إسلامية من المنطقة، وكلم أعضاء في فروع جماعة الإخوان في دول عربية. وكان يمثل التنظيم من القاهرة سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا.
ويكشف ضابط المخابرات المركزية روبرت دريهر، الذي كان حلقة الصلة بين المخابرات المركزية وسعيد رمضان، أن رمضان صار منذ حضوره مؤتمر برينستون عميلاً رسمياً للمخابرات المركزية، وأنه كان يزوده بالإمكانات المالية والدعم السياسي، لتمكينه من تنفيذ المهام الموكلة إليه وعملت الوكالة على إبراز دوره خاصة بين المسلمين المقيمين في أوروبا، ولم يكن التعاون بين المخابرات المركزية والإخوان، قاصراً على الشؤون المصرية والعربية، بل إنه امتد إلى عدد من المسائل الأخرى. واستنادا إلى خصوصية هذه العلاقة، فإن القيادي الإخواني عصام العريان، شرح أن إدارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر طلبت أثناء أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران من مرشد الجماعة، عمر التلمساني، التوسط لدى آية الله الخميني لإطلاق سراح الرهائن. لكن الخميني رفض مقابلة التلمساني.
ولم يكن سعيد رمضان وحده الذي ارتبط بعلاقة تنظيمية المخابرات الأمريكية، وهو ما شرحه مايلز كوبلاند رجل المخابرات المركزية ذائع الصيت في الشرق الأوسط، عن أن تنظيم الإخوان في مصر، قد جرى اختراقه، من قمته – في مكتب الإرشاد – من أربعة أجهزة مخابرات أجنبية، هي البريطانية، والأمريكية، والفرنسية، والسوفيتية.
وتقول ثييري مايسان في دراستها في عامي 1972 و1973، قام سير جيمس كريج المسؤول بوزارة الخارجية البريطانية، والقيادي بجهاز المخابرات الخارجية MI6، وبالتعاون مع سير ريتشارد بيمونت السفير البريطاني في مصر (1969-1973)، بحملة لتجهيز جماعة الإخوان المسلمين، لكي تستخدمها بريطانيا والولايات المتحدة في الصراع ضد الاتحاد السوفيتي، ليس فقط في مصر، بل في أرجاء العالم الإسلامي ونتيجة تعاون سير جيمس مكوين كريج مع وكالة المخابرات المركزية، فقد أصبح فيما بعد مشاركاً في خطط تغيير الأنظمة وإشعال الفوضى في المنطقة.
وتولى شرح هذه الخطط بوضوح برنارد لويس في اجتماع لمجموعة بيلدر بيج Bilderberg Group، والذي نظمه حلف الأطلنطي في أستراليا في أبريل 1979. وأكد لويس في الاجتماع، أن الإخوان المسلمين يمكن أن يلعبوا دوراً رئيساً ضد السوفييت، وكذلك القيام بإثارة مشكلات داخلية في دول وسط آسيا، والبلقان، والشرق الأدنى، من أجل صالح إسرائيل. ومعروف أن لويس الخبير الأمريكي في الشؤون الإسلامية، هو أصلاً بريطاني الجنسية بدأ العمل في شبابه ضابطاً في المخابرات البريطانية في المنطقة العربية.
في الاتجاه نفسه وضع زبجنيو بريجنسكي – الذي كان مستشاراً للأمن القومي للرئيس كارتر – الخطة Operation Cyclone في أفغانستان، وتعمل على جلب ما بين 17 ألفاً إلى 35 ألفاً من الإخوان المسلمين من 40 دولة للقتال ضد السوفييت في أفغانستان وطبقا لأجندة هذه الخطة، فقد تلقى هؤلاء المقاتلون جزءا رئيسا من تسليحهم من إسرائيل – وهى عدوهم اللدود المعلن لكن جمعتهم معها هذه الخطط في شراكة وتحالف.
ويكشف جيفري فيلتمان نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط عن عمليات جرت في الخفاء بين الإخوان المسلمين والمخابرات المركزية، والمعلومات الخاصة بها تدور كمجرد تخمين من المحللين السياسيين عن تحركات للإخوان في المنطقة، هدفها الأساسي توفير الحماية لإسرائيل. كذلك أعلن هيوبرت فيدرين وزير الخارجية الفرنسي الأسبق – في مؤتمر عقد في بيروت عام 2012 – أن الولايات المتحدة أيدت الإخوان المسلمين. وأن هذا يفسر انعدام ثقة دول بالمنطقة في أحداث الربيع العربي، التي كان وراءها تفاهم أمريكي إخواني، على الدفع بها في اتجاه، لا يعبر عن إرادة الملايين في مصر الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالتغيير، وكان مقرراً أن تسفر أحداث الربيع العربي عن نتائج لتمزيق دول الشرق الأوسط، طبقاً للمخطط الأمريكي الذي أدارته حكومة أوباما. وطبقاً لتقدير لورنزو فيندو، فإن ما يفسر تعدد التوجهات السياسية الأمريكية تجاه الاخوان والجماعات الإسلامية هو عدم تقاسم المعلومات بين الوكالات الحكومية، والجهل بمعرفة الإسلام والإسلاميين واعتماد المسؤولين المنتخبين – مثل أعضاء الكونجرس – على المسلمين الذين يقطنون في دوائرهم الانتخابية في الحصول على معلومات عن الجماعات الإسلامية في أمريكا ومن المعروف أن استيطان الإخوان في الولايات المتحدة منذ الستينات، قد مكنهم من خلق تواجد لهم في هذه الدوائر الانتخابية.
وفى دراسة عنوانها «الإخوان المسلمون كقوة أجنبية تعمل بالوكالة عن البنتاجون» للكاتبة ثييري مايسان قالت في بداية التسعينات: قررت وزارة الدفاع الأمريكية تكثيف العمل مع الإسلاميين (الإخوان) الذين كانوا قد ارتبطوا بالفعل مع «Gladio B» إشارة إلى وكالة المخابرات المركزية، وأطلق على هذه العملية مسمى العمليات السرية لحلف الأطلنطي في أوروبا والمسماة «Gladio A».
وصارت لندن مركز العصب للعملية «Gladio B»، وضمن مهام هذه العلاقة رتبت وكالة المخابرات المركزية مع الإخوان عمليات تنفذ في منطقة البلقان، ضد الصرب، الذين كان الاتحاد السوفيتي يساعدهم. وكانت الحرب قد اشتعلت عام 1993 في البوسنة والهرسك في البلقان، وبناء على تعليمات من واشنطن سهلت وكالات المخابرات السرية في باكستان سفر 90 ألف مقاتل للقتال ضد الصرب. وذلك ضمن ترتيبات مع الإخوان ليتولوا تجهيز مقاتلين من أفغانستان، لتتولى وزارة الدفاع الأمريكية تدريبهم وتسليحهم ونقلهم إلى البلقان.
وما كل ذلك إلا إشارة خفيفة للأدوار التي تقوم بها جماعة الإخوان الذين تربطهم علاقات متينة بالماسونية العالمية وأمور أخرى لا يتسع التطرق لها في مقال واحد.