خالد محمد الدوس
يّعد علم الاجتماع الأسري من العلوم الحيوية، وهو أحد ميادين علم الاجتماع وفروعه الفتية التي تأسست في الأربعينيات من القرن العشرين بعد تعاظم العلاقة التبادلية والصلة التفاعلية بين الأسرة والمجتمع، وبعد زيادة المهام والمسؤوليات التي تؤديها الأسرة للفرد والمجتمع على وجه التحديد، وبعد تدهور العلاقات القرابية في المجتمع الحضري المعقد، وقيادة العائلة باحتلال دور القرابة وأداء المهام التي كانت تضطلع بها في فترة ما قبل التحضر والتصنيع والتنمية الشاملة التي شهدها المجتمع العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، غير أن ولادة وظهور علم الاجتماع الأسري في الدول الغربية كان في وقت مبكر نظراً لنمو الدراسات الاجتماعية وتطورها هناك، في حين لم يظهر هذا العلم الفتي في المجتمعات العربية إلا في وقت متأخر وذلك لإهمال الدراسات الاجتماعية عموماً، ودراسات علم الاجتماع الأسري أو العائلي لأسباب تتعلق بانخفاض المكانة الاجتماعية للعلوم الإنسانية من جهة، وحساسية الموضوع وحراجة دراسته وتحليل مواده من جهة أخرى .بجانب قلة المتخصصين في مجاله الحيوي وموضوعاته، فضلاً عن قلة الكتب والمؤلفات والمصادر المنشورة عن اختصاص علم الاجتماع الأسري وموضوعاته.
ولاشك أن الأسرة السعودية شهدت تغيرا بنائيا على مستوى الحجم، أما من حيث الكيف فقد اختلفت وجهات النظر بين المؤيد والمعارض، ولذلك بدأ النظام الأسري ومكوناته يشهد العديد من الدراسات والأبحاث والمؤلفات على المستوى المحلي خلال العقد الأخير بصورة أكثر اهتماماً وإنتاجاً، ومن هذه المؤلفات الثرية كتاب (علم الاجتماع الأسري) - دراسة تحليلية للمشكلات الاجتماعية التي تواجه المرأة السعودية- للمؤلفة أ. د. بدرية محمد العتيبي أستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم الاجتماعية -قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية -، وقد تم التركيز في هذا الكتاب على بعض المشكلات الاجتماعية التي تواجه الأسرة السعودية، ودور المرأة في التنشئة الاسرية ودورها العميق في الارشاد الأسري والزواجي. ومدى تغير مكانة المرأة ودرجة تغير مثل هذه التقاليد خاصة بعد التغيرات العميقة والمختلفة التي مـّر بها المجتمع السعودي منذ توحيد المملكة منذ ما يقارب من 100 عام الى جانب التغيرات الأخيرة التي حققت للمرأة الكثير من المطالب التي كثيرا ما طالبت بها. مع التركيز على دور المرأة في الأسرة في الوسط الحضري نظرا لما تكتسبه البيئة الحضرية من دور التحكيم في نشاطات التوجيه الثقافي لسلوك الأجيال باعتبار أن الاحتكاك بالثقافات الأجنبية يكون أكثر نشاطا في هذا الوسط أكثر من البيئة البدوية.
الكتاب تم تقسيمه إلى ثمانية فصول:
الفصل الأول: تم من خلاله التعرض لتطور الدراسة العلمية للأسرة في المجتمع السعودي، من حيث مكانة ودور المرأة قبل اكتشاف النفط، ومكانة ودور الأسرة بعد اكتشاف النفط وتحديداً البحث في مكانة ودور الأسرة في ظل الاتجاه المحافظ والمتحرر والمعتدل.
الفصل الثاني: تناول بناء الأسرة المتغير ووظائفها في المجتمع السعودي الحديث.
بينما استعرض الفصل الثالث تطور الدراسة العلمية لدور الرجل والمرأة في البناء الأسري؛ حيث تناولت المؤلفة مفهوم النوع الاجتماعي من حيث التطور الفكري له، أما المبحث الثاني فقد تناول قضايا المرأة السعودية العاملة والمرأة السعودية ربة المنزل, وركزت المؤلفة على دور كل منهما وصراع الأدوار داخل الأسرة بين الرجل والمرأة.
أما الفصل الرابع فقد تحدث عن الاتجاهات السوسيولوجية الخاصة بالتغير الاجتماعي في الأسرة السعودية، وقد تم تقسيم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث، تناول الأول منها أهم المراحل التي مرت بها الدراسة السوسيولوجية للأسرة البشرية، أما المبحث الثاني فقد تطرق إلى أهم النظريات المفسرة للتغيير الاجتماعي في الأسرة في حين خصص المبحث الأخير لبيان أهم الاتجاهات النظرية المحددة لمكانة الأسرة في المجتمع السعودي.
أما الفصول الخامس والسادس والسابع فتناولت المؤلفة نماذج من المشكلات التي تعاني منها الأسرة السعودية حيث تم استعراض ثلاث مشكلات في كل فصل على حدة، وهي كالتالي:
الخلافات الزوجية - العنوسة والعضل- الطلاق أسبابه وآثاره على الأسرة والمجتمع. بينما الفصل السادس تناول:
الزواج والقرابة في المجتمع السعودي- التفضيلات الزواجية للفتاة السعودية أسبابها ونتائجها وآثارها - اختلال الهوية الجنسية وآثاره وعلاجه، في حين تناول الفصل السابع: مشكلات المرأة الجانحة - ومشكلات المرأة الناجحة.
واختتم الكتاب في الفصل الثامن باستعراض التشريعات الاجتماعية ومواجهة مشكلات الأسرة السعودية، وبخاصة مشكلات الأسرة السعودية أمام الأجهزة الأمنية والنظام القضائي.
وأخيرا الكتاب -لا مناص- يعد إضافة لمكتبة علم الاجتماع العربية التراثية لأنه تضمن دراسة تحليلية رصينة للمشكلات الاجتماعية التي تواجه المرأة السعودية، تمكنت المؤلفة بخبرة أكاديمية واسعة في المجالات البحثية والتعليمية من إخراج هذا الكتاب وفق المنهجية العلمية المدعومة بالعمق المعرفي والحس المهني الرفيع الذي تتمتع به، وبالتالي شكل مرجعا هاما للباحثين والدارسين في هذا الميدان الخصب.