د. فهد بن أحمد النغيمش
نحن اليوم أمام حقيقة نحتاجها في سائر حياتنا وشؤون مسيرتنا اليومية خاصة في هذا الزمن الذي أجلب علينا بخيله ورجله واقبلت الدنيا علينا فيه بقضها وقضيضها وبلائها فانتشرت بين الناس الأحزان وسادت الهموم وكثرت العيادات النفسية والمصحات العلاجية بسبب توافه من الدنيا قد مضت وأوجعت أو بسبب فوات مرغوب أو عدم نيل مطلوب بل أصبح التضجر والتألم والتسخط سمة تلازم حديث البعض في مجالسهم وفي لقاءتهم وكأن الدنيا انتهت ورحمة ربنا انقطعت ولم يعد لها وجود حتى أقنع الشيطان الكثيرين بأنه لا حظ لهم في هذه الدنيا، وأن عدم التوفيق يلازمهم وغفلوا عن حقيقة قرآنية كريمة {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، وأكدها بقوله {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
الإنسان في هذه الحياة قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية، والفاجعة المهلكة لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة في ثوب محنة، وعطية في رداء بلية، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب، وعلى الضد فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، وأسرع إليه، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد!.
نعم، منعه الله عنك لحكمة أرادها سبحانه فَأَصابك الهم والغم والحزن والندم ( لماذا لم يحصل ذاك المرغوب؟) ثم بعد فترة من الزمن تبين لك أن الله أنجاك منه بحكمته وقدرته فحمدت الله أن صرفه عنك وعرفت أن الخيرة فيما اختاره الله، وليس فيما اخترته أنت!
ألم يخبرنا ربنا بقوله {وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، لأن ما أخفاه الله من لطفه بعباده أعظم وأكرم وأجمل.
إن الإنسان لا يدري أين يكون الخير وأين يكون الشر وكل إنسان في تجاربه الخاصة يستطيع حين يتأمل أن يجد في حياته مكروهات كثيرة كان من ورائها الخير العميم ولذات كثيرة كان من ورائها الشر العظيم.
وكم من مطلوب يكاد الإنسان يُذهب نفسه حسرات على فوته، ثم تبين له بعد فترة أنه كان إنقاذا من الله أن فوت عليه هذا المطلوب في حينه؟! وكم من محنة تجرعها الإنسان لاهثا يكاد يتقطع لفظاعتها، ثم ينظر بعد فترة فإذا هي تنشئ له في حياته من الخير ما لم ينشئه الرخاء الطويل؟.. وكم من فقير لولا فقره لطغى واستغنى وكذب بالحسنى؟ وكم من مريض لولا مرضه لما وصل إلى الدرجات العلى؟.
لابد أن نؤمن جميعا أن ما قدَّرَه الله وقضى به هو خير كله، عَلِمَه مَن علمه، وجهِله مَن جهله، فلا تجزعْ من قدَر الله، ولا تقنط من رحمته، ولا تيأس من رحمته، وثِقْ أنَّ من وراء الْمِحَنِ مِنَحاً، وفي ثنايا البلاء رحمةً وعطاءً، و{وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
دوماً، ثق بعوض الله سبحانه فإن عوض الله إذا جاء أدهش قلبك، وأقر عينك وآنسك فهذا عطاء كريم من الكريم سبحانه، ينسيك بكرمه مرارة الانتظار، وجبره يأتيك كمكافأة على أيامك التي صبرت فيها على مرارتها، وتذوقت فيها طعم الألم والأحزان .
ربما نشاهد في حياتنا بعضا من الأمور لا تسير كما نرغب، لكننا على يقين تام أن عوض الله لن يفوتنا أبدًا، سيأتينا من أوسع أبوابه ثم تقر له أعيننا، فننسى برحمة الله كل ضيق مررنا به.
لا تيأس مهما عصفت بك الحياة، فإن الله الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي قادر على أن يجعل لك مخرجاً ويرزقك من حيث لا تحتسب.
مِنْ كُلِّ شَيْءٌ إِذَا ضَيْعَتَهُ عِوَضٌ
وَمَا مِنَ اللَّهِ إِنْ ضَيَّعْتَهُ عِوَضُ