إيمان حمود الشمري
(طين) فعالية انطلقت من قلب الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى، تلك الأرض التي أدت ترسبات الطمي الطيني فيها إلى توفر مادة البناء الرئيسية، واستطاع البناؤون المحليون استخدامها مع الماء والقش لتشييد مدينة في غاية التعقيد، تحتوي بيوتاً وقصوراً ومساجد صمدت في وجه الرياح والأمطار والسيول حتى يومنا هذا، وتكيفت مع الظروف الصحراوية القاسية على مدى أكثر من قرنين من الزمن لتروي قصصاً لنا في جولة ممتعة، تسمع خلالها عبارات الترحيب من الموظفين وهم يرددون على مسامعك.. حياكم الله شوفتكم سلوى.
بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، تم افتتاح مهرجان «طين» في حي (الطريف) التاريخي ضمن فعاليات موسم الدرعية، تحت شعار «شواهد الطين بين الماضي والمستقبل»، احتفاءً بالتاريخ والتراث العمراني الذي يعتبر حاملا للتقاليد، وتعزيزاً لمفهوم السياحة الثقافية، حيث شملت فعالية طين على عروض حية لتجربة البناء التقليدية في الماضي، وأنشطة تفاعلية وورش عمل في حديقة الطريف، وتحولت قصورها لمتاحف ومعارض صور تعرض العلاقة بين الطين والحياة البشرية، كما حملت جدرانها لوحات للمهندس المعماري المصري المعروف بريادته في الهندسة المعمارية البيئية واستخدامه للمواد المحلية (حسن فتحي) والذي قدم استشارات حول تطوير العمارة التقليدية في المملكة وكانت أبرز مشاركاته تصميم قرية في الدرعية.
كما تشمل الفعالية ساحات حوار تسبر أغوار غموض التاريخ بالحديث عن العمارة الطينية، وسط أجواء ملهمة تعيدنا للماضي وتجعلنا نعيش التجربة بدخول آلة الزمن، إذ أُقيم بعضها في الهواء الطلق بين أسوار الدرعية وبعضها الآخر بالداخل في فناء القصور، وهو ما يعرف بـ(بطن الحوي)، وبين الماضي والحاضر شاهدنا عرضاً حياً لآلة طباعة الطين ثلاثية الأبعاد، وودعنا الجولة بعرض لفرقة السامري وهم يغنون السامرية الشهيرة للشاعرة:
رسوا المفرجية العوفية (عديت بالمستقلّي.. من نايفات العداما).
جولة ممتعة لفعالية استثنائية تعكس مفهوم رؤية ملهمة تحرص على التاريخ بقدر حرصها على التطور، وتُوازن بين انطلاقها للمستقبل وتمسّكها بإرث الماضي لأنها تؤمن أن الجذور هي الثبات وهي نقطة الانطلاق، وأن الجديد لن يهيمن على هويتنا.