سمر المقرن
يشكل الجانب التشريعي والتنظيمي محورًا أساسيًا في أي قطاع اقتصادي، وتتضاعف أهميته إذا كان هذا القطاع يرتبط مباشرة بالناتج المحلي، ويؤثر في أكثر من 120 صناعة ونشاطًا اقتصاديًا، وعندما يكون الحديث هنا عن القطاع العقاري، فنحن نتطرق إلى أحد الأركان الرئيسة للتنمية الاقتصادية، ليس فقط بحجمه وتأثيره المالي، بل بدوره في تحقيق الاستدامة الحضرية، وتنظيم العلاقة بين مختلف الأطراف الفاعلة، من مستثمرين ومطورين وأفراد. بعيدًا عن لغة الاقتصاد وتعقيداتها، فإن تأثير العقار يظهر بشكل مباشر في حياة الأفراد والمجتمعات، وهو ما أصبح ملموسًا اليوم بفضل التحولات التي يشهدها القطاع، بقيادة وزارة البلديات والإسكان، والهيئة العامة للعقار، وصندوق التنمية العقارية، والشركة الوطنية للإسكان، حيث تعمل هذه الجهات ضمن منظومة متكاملة، تستهدف تسهيل تملك الأسر السعودية للمسكن، وتقديم التسهيلات التمويلية، وتنظيم السوق بما يحقق أعلى مستويات الشفافية والجاذبية الاستثمارية.
خلال الأسبوع الماضي، شهدنا انعقاد منتدى مستقبل العقار في نسخته الرابعة، وهو حدث أصبح منصة سنوية رئيسة تناقش القضايا الكبرى التي تؤثر في المشهد العقاري، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، والذي شهد على مدار أيامه الثلاثة حضور مسؤولين وخبراء من داخل المملكة وخارجها، إلا أن ما استوقفني بشكل خاص هو الأثر العميق الذي أحدثته التنظيمات العقارية في تطوير السوق، وضبط تعاملاته، ورفع مستوى الثقة بين الأطراف ذات العلاقة.
في كلمته خلال المنتدى، أشار معالي ماجد الحقيل، وزير البلديات والإسكان، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار، إلى إصدار أكثر من 20 تشريعًا وتنظيمًا أصدرتها الهيئة العامة للعقار، لتعزيز الشفافية وتنظيم المعاملات العقارية، ومن يتابع الملف العقاري في المملكة سيدرك أن هذه التحولات لم تكن مجرد تحسينات إجرائية، بل كانت إصلاحات جوهرية لامست القطاع من جذوره، وأسهمت في إعادة هيكلته بطريقة أكثر كفاءة واستدامة. فعلى سبيل المثال، عندما نتحدث عن قطاع الإيجار العقاري، نجد أن برنامج «إيجار» أصبح اليوم مرجعًا قانونيًا وتنظيميًا يحفظ حقوق الأطراف، من خلال عقد إلكتروني موحد، واضح البنود والإجراءات، ويعامل معاملة السند التنفيذي، وهذا التطور لم يحقق فقط حماية حقوق المستأجرين والمؤجرين، بل أسهم في تعزيز موثوقية السوق، وتقليل النزاعات، وضبط العلاقة بين الأطراف المختلفة. أما فيما يخص نظام البيع على الخارطة، فقد أصبح لدينا إجراءات واضحة وصارمة تحفظ الحقوق، وتضمن التزام المطورين بتنفيذ المشاريع وفق الجداول الزمنية المحددة، وهو ما وفر فرصًا استثمارية واسعة، وجعل السوق أكثر جاذبية، سواء للمطورين العقاريين أو للمستفيدين الباحثين عن حلول سكنية تتسم بالجودة والتخطيط السليم. وبالإضافة إلى ذلك، شهدنا تنظيمات أخرى داعمة، مثل التسجيل العيني للعقار، وتنظيم المزادات العقارية، وضوابط الإعلانات العقارية، وإدارة جمعيات الملاك، وهي جميعها أدوات تسهم في تحقيق بيئة عقارية أكثر كفاءة، وتعزز من الحماية القانونية للأطراف كافة. اليوم، بات من الواضح أن التنظيم هو حجر الأساس الذي ترتكز عليه تنمية القطاع العقاري، وهو العامل الذي يحول العقار من مجرد صناعة تعتمد على الطلب والعرض، إلى قطاع مستدام، يخضع لضوابط واضحة، ويحقق قيمة اقتصادية حقيقية للمملكة، ومع استمرار تطوير اللوائح والتشريعات، فإن التحدي الأكبر يتمثل في ضمان فاعلية هذه التنظيمات، والتأكد من تطبيقها بأفضل شكل ممكن، بما يخدم جميع الأطراف، ويعزز من استدامة السوق العقاري على المدى الطويل. ما نشهده اليوم من تطورات في هذا القطاع يعكس عمق الرؤية الاستراتيجية التي تتبناها الجهات المعنية، بقيادة معالي ماجد الحقيل، الذي كان لهذا الملف أهمية خاصة لديه منذ أكثر من عقد، حيث عمل على دفع عجلة التنظيمات العقارية، والتأكيد على ضرورة تحديثها باستمرار، بما يواكب تطلعات السق، ويحمي مصالح المستثمرين والمستهلكين على حد سواء.
السوق العقاري السعودي اليوم أمام مرحلة جديدة، تتطلب المحافظة على هذه المكتسبات التنظيمية، والاستمرار في تطويرها بما يخدم جميع الأطراف، فالتنظيمات هي أدوات للتطوير، والتكيف مع المتغيرات، وتعزيز الثقة في واحدة من أهم الأسواق الاقتصادية للمملكة.