بدر الروقي
صناعة السجون موجودة وحاضرة عبر التاريخ البشري القديم مع اختلاف الفكرة والطريقة في كيفية اتخاذها واختيارها، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم وذلك ما جاء في قصة نبي الله يوسف - عليه السلام.
وفي عصر صدر الإسلام كانت السجون وسيلة من وسائل العقاب المشروع؛ حيث كان المسجد سجناً يُربط فيه ويوثق أسرى الحرب، وجواسيس العدو، والخارجين على الدولة؛ كموضع تأديب، ومكان تهذيب.
ثم وبالتحديد في عهد الخلافة الراشدة أصبح للسجون دور خاص يمكث فيها السجناء حتى انتهاء وقت محكومياتهم.
بعد ذلك وعبر القرون المتلاحقة اتسعتْ دوافع بناء السجون، واختلفت وتنوَّعت أسباب ومسببات الحكم بها والزج فيها، حتى وصل أمر وطرق التحقيق والتعذيب داخلها لمراحل متنوِّعة من القسوة والشدة والعنف ما لا يمت للإنسانية بصِلة، بل ولا يقبل به دينٌ ولا ملَّةٌ ولاعرفٌ من أعراف بني البشر كافة.
ما شاهدناه من مقاطعَ وحشيَّةٍ ومريعةٍ في سجون (صيديانا) أشعل بسببه لهيب محركات البحث ومنصات التواصل والرأي العام خلال الأسابيع الماضية؛ ما يعبِّرُ عن هذه الوحشية وهذا العنف، ويحكي حجم التعاطف والشفقة من جميع أطياف البشر لضحايا السجون، وما قاسوا فيها من الذل والترويع.
(صناعة السجون) وعلاقتها بالبشر علاقة طردية لا يمكن أن ينفصلا بعضهما عن بعض؛ فالبشر هم من قام ببناء السجون، وشرَّعوا لها القوانين، وأصدروا بسببها الأحكام، ومارسوا فيها أشد أنواع التعذيب والتنكيل، ثم هم أنفسهم يقولون: «يا ما في السجون من مظاليم!».
والحقيقة أنَّ أبشعَ سجن صنعه البشر لأنفسهم هو صناعة سجن (الذات)، والذي قيَّدوا فيه حرية إبداعهم، وسرَّ وجودهم الكوني، وأصلَ وجودهم الحياتي؛ ليكونوا بعد ذلك أسرى خلف قضبان وحدتهم، وتحت غياهب الضيق المؤبد.
ما أحببتُ قوله:
إذا كانت صناعةُ السجون (مشروعاً) بشرياً أزلياً فيه - الكثير الكثير - من الخسائر النفسية، والانهيارات العصبية، بل فيه ما قد يصل إلى الإفلاس الصحي، والفقر الجسدي، فإنَّ لديهم وبأيديهم - مشروعاً - مهمشاً مردوده إيجابي وعوائد وأرباحه (كنزٌ) من السعادة، ووفرةٌ من الراحة، ومُتاح للجميع بدون دراسة جدوى، ولا يحتاج رأس مال، ولا إلى قروض مؤجلة، أو حتى يد عاملة.. فما أجمل أن يبدأوا بأعظم مشروع! يَدُرُّ (ابتسامةً) على محيَّاهم، ويضخ سكينة في قلوبهم.
إنه مشروع (صناعة الفرح)، فلْيُقِيموه على (مساحات) صدورهم، ثم يجعلوا وقفه ريْعاً (لصحتهم) ومكتسبات (لبهجتهم).