محمد عادل
تستثمر الشركات الكثير من الأموال سنوياً في برامج التدريب والتطوير، لكن النتائج على أرض الواقع غالباً ما تكون مخيبة للآمال، فلماذا نشهد هذه الفجوة الكبيرة بين التدريب والأداء الفعلي للموظفين؟ وكيف يمكن للمديرين ضمان تحقيق العائد المطلوب من استثماراتهم في التدريب؟
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى عدم فاعلية برامج التدريب في تحسين الإنتاجية، ومن أبرزها:
انفصال محتوى التدريب عن واقع العمل اليومي، فكثيراً ما نجد برامج تدريبية نظرية بحتة لا تمت بصلة للتحديات الحقيقية التي يواجهها الموظفون في مكاتبهم، وعندما يعود الموظف إلى عمله، يجد صعوبة في ترجمة ما تعلمه إلى ممارسات عملية.
كما أن غياب المتابعة بعد التدريب يمثّل عائقاً رئيسياً، فبمجرد عودة الموظف إلى مكتبه، يعود لممارساته القديمة دون أي توجيه أو دعم لتطبيق ما تعلمه.
وفي ظل ضغوط العمل اليومية، يصبح من السهل تجاهل المهارات الجديدة والعودة إلى المنطقة الآمنة من الممارسات المعتادة.
وتشكل بيئة العمل غير الداعمة تحدياً آخر، حيث يجد الموظف نفسه محاطاً بثقافة مؤسسية تقاوم التغيير وتتمسك بالأساليب التقليدية، فقد يواجه عدم تشجيع من رؤسائه أو زملائه عند محاولة تطبيق أساليب جديدة، مما يثبط عزيمته ويدفعه للتخلي عن محاولات التطوير.
ولضمان تحويل التدريب إلى نتائج ملموسة، يجب على المديرين تبني الممارسات التالية:
يبدأ الحل من ربط التدريب باحتياجات العمل الفعلية، فيجب إجراء تحليل دقيق للتحديات اليومية التي يواجهها الموظفون، وتصميم برامج تدريبية تحاكي بيئة العمل الحقيقية، مع اختيار أمثلة وتطبيقات عملية من واقع الشركة.
كما يجب وضع خطة متابعة واضحة لما بعد التدريب، تتضمن هذه الخطة جلسات تطبيقية منتظمة، وتوجيهاً مستمراً من المشرفين المباشرين، مع قياس مؤشرات أداء محددة لتتبع أثر التدريب على الإنتاجية.
ويعد تهيئة بيئة عمل داعمة للتعلّم والتطوير أمراً ضرورياً، يجب تشجيع الموظفين على تجربة المهارات الجديدة، وتقديم الحوافز المناسبة للمطبقين، مع خلق فرص مستمرة للمشاركة والتعلم.
وتقدم التقنيات الحديثة فرصاً غير مسبوقة لسد الفجوة بين التدريب والأداء الفعلي. فمنصات التعلم الإلكتروني أصبحت تتيح للموظفين فرصة التعلم في أي وقت ومن أي مكان، مع إمكانية الرجوع للمحتوى التدريبي عند الحاجة، كما تسمح تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز بمحاكاة بيئة العمل الحقيقية، مما يسهل على المتدربين تطبيق ما تعلموه في سيناريوهات واقعية دون مخاطر.
وتساعد أدوات التحليل المتقدمة في تتبع أداء الموظفين وتقديم تغذية راجعة فورية، مما يمكن المديرين من التدخل السريع وتقديم الدعم المطلوب في الوقت المناسب.
إن نجاح برامج التدريب لا يقاس بعدد الشهادات أو ساعات التدريب، بل بمدى انعكاسها على تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية، ولتحقيق هذا الهدف، يجب أن يكون التدريب جزءاً من إستراتيجية متكاملة للتطوير المؤسسي.
وعلى المديرين إدراك أن التدريب ليس حدثاً منفصلاً، بل عملية مستمرة تتطلب المتابعة والدعم المستمر، كما يجب عليهم الاستثمار في تطوير أنظمة وأدوات تسهل تطبيق المهارات الجديدة وقياس أثرها على الأداء المؤسسي.
فسد الفجوة بين التدريب والأداء يتطلب جهداً منظماً ومستمراً، لكن العائد على هذا الاستثمار يستحق كل هذا العناء، فالشركات التي تنجح في تحويل التدريب إلى أداء فعلي هي التي ستتمكن من بناء ميزة تنافسية مستدامة في سوق العمل.