عايض بن خالد المطيري
في مجتمع تتشابك فيه الطموحات مع التحديات، وتتقاطع فيه الأحلام مع الواقع المعقد، تتحول بعض العبارات المتداولة إلى شِبه أمثال، تختصر في كلمات معدودة واقعًا يعيشه كثير من الشباب. ومن أكثر هذه العبارات تكرارًا في المجالس ومنصات التواصل: «تخطب يطلبون بيت، تقدم على الإسكان يطلبون زوجة». جملة تبدو ساخرة في ظاهرها، لكنها في حقيقتها تكشف عن مفارقة حادة ومشكلة عميقة تعصف بطموحات جيل بأكمله.
حين يُقبل الشاب على خطوة الزواج وهي الخطوة الأولى نحو الاستقرار وبناء حياة جديدة يُفاجأ بسلسلة من العقبات تبدأ بمتطلبات الأسر، وعلى رأسها السكن المستقل والمؤثث. وعندما يبحث عن حلول واقعية من خلال برامج الإسكان، يجد أن الباب مغلق أمامه ما لم يكن متزوجًا. وهكذا يدخل في حلقة مفرغة: لا يمكنه الزواج دون سكن، ولا يمكنه الحصول على سكن دون أن يتزوج!
هذه المفارقة ليست مجرد خلل إداري، بل هي إشارة إلى فجوة في التطلعات المجتمعية، إذ تشترط برامج الإسكان على سبيل المثال، وجود الاستقرار الاجتماعي (الزواج) كشرط للحصول على السكن، في حين يشترط المجتمع وجود السكن لتكوين الأسرة. وفي هذه الدوامة، يُعلّق الشاب بين المطلبين، وتُجمَّد أحلامه على عتبة البدايات.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يزداد تعقيدًا مع ارتفاع تكاليف الزواج، من مهور وحفلات وتأثيث، إلى جانب غلاء العقارات وتفاوت الفرص الاقتصادية. فحتى أولئك الذين يمتلكون قدرًا معقولاً من الاستعداد المالي، يصطدمون بواقع تتكاثر فيه الشروط وتتناقص فيه الإمكانيات. والنتيجة؟ تأخر في سن الزواج، ارتفاع في نسب العزوف، وتزايد في الضغوط النفسية والاجتماعية على الشباب.
الحل لا يكمن في اجتهادات فردية، بل في منظومة شاملة تتعامل مع هذه القضية كأولوية وطنية، تنطلق من مبدأ التيسير لا التعجيز. نحن بحاجة إلى إعادة صياغة السياسات الإسكانية بما يتناسب مع واقع الشباب، وتفعيل نماذج دعم تُسهّل حصولهم على السكن، ما دامت ضمانات السداد متوافرة من خلال الاستقطاع الشهري من راتب الشاب. كما أن على الأسر إعادة النظر في مفهوم «الزواج الناجح»، الذي لا يُقاس بما يملكه الشاب، بل بما يمكنه أن يبنيه في إطار شراكة حقيقية.
لذلك لا بد أن ندرك جميعًا أن بناء المجتمع لا يقوم على تكديس الشروط، بل على تمهيد السُّبل. نحن بحاجة إلى سياسات واقعية، تساند الشاب بدلاً من أن تُثقل كاهله، وتُدرك أن البدايات لا يشترط أن تكون مثالية، بل قابلة للتحقق. وعندما نكسر هذه الدائرة المفرغة، نمنح الشباب فرصة حقيقية للانطلاق نحو حياة مستقرة، ونعيد للمجتمع توازنه، حيث تكون الأسرة انطلاقةً لشراكة إنسانية، لا اختبارًا تعجيزيًا لقدرات فردية.