د. أحمد محمد القزعل
يعد الصدق من أهم القيم التي تميز الإنسان النبيل، فهو أساس الثقة بين الأفراد وركيزة بناء العلاقات القوية، وعلى النقيض فإن الكذب صفة مذمومة تهدم هذه الثقة وتترك أثراً عميقاً في النفس، خصوصاً عند الرجال الذين يعتبرون الوفاء بالوعد والصدق في القول من علامات الرجولة الحقيقية، هذا وبعض الأكاذيب قد تمر مرور الكرام لكن هناك مواقف لا تُنسى وتبقى محفورة في الذاكرة؛ لأنها تخلّف جرحاً في النفس وتغير مسار العلاقات سواء أكانت بين الأصدقاء أو الشركاء أو حتى أفراد العائلة.
ومن المواقف التي تظل عالقة في أذهان الرجال: الخيانة العاطفية المبنية على الكذب، حيث يعد الكذب في العلاقات العاطفية من أكثر المواقف التي تجرح الرجال وتبقى في ذاكرتهم، فعندما يكتشف الرجل أن شريكته كانت تكذب عليه بشأن مشاعرها أو تخفي عنه أموراً جوهرية، فإن ذلك يهز ثقته بها وبالعلاقات العاطفية بشكل عام، كذلك فإن الكذب في الصداقة والخيانة المبطنة من المواقف التي لا تمر مرور الكرام، فالصداقة علاقة مقدسة تقوم على الصدق والوفاء، ولكن عندما يتعرض الرجل لخداع من صديق مقرّب، كأن يخبره بأمر معين ثم يكتشف لاحقاً أن الحقيقة كانت مختلفة تماماً، فإن ذلك يُشعره بالخذلان، فالصديق الذي يدّعي أنه لم يكن له يد في مشكلة وقعت بين مجموعة من الأصدقاء، لكن لاحقاً يكتشف الرجل أنه كان هو السبب الرئيسي وراءها مما يجعله يفقد ثقته في الصداقة، وهناك الكذب في مجال العمل والمصالح الشخصية خاصة عندما يتعلق الأمر بالوعود الكاذبة أو خيانة الثقة، فالرجل الذي يعمل بجد وينتظر ترقية وعده بها مديره، لكنه يكتشف لاحقاً أن هذه الترقية كانت مجرد خدعة لزيادة إنتاجيته، دون نية حقيقية لمنحه الفرصة، فمثل هذه الأكاذيب تترك أثراً سلبياً عميقاً، وقد تؤدي إلى فقدان الحافز للعمل أو حتى الاستقالة، وأخيراً الكذب العائلي وخداع الأهل ففي بعض الأحيان قد يتعرض الرجل لخداع من أقرب الناس إليه مثل أفراد عائلته، وعندما يكبر الرجل ويكتشف أن والديه أو أحد أفراد الأسرة قد كذب عليه بشأن أمر جوهري في حياته، كأن يخبره والده بأنهم يعيشون حياة مريحة بينما هم في ديون أو أن يخفي أحد أفراد الأسرة حقيقة عن ماضيه، فإن هذا قد يؤثر بشكل كبير على رؤيته للحياة وثقته بمن حوله.
والكذب من الكبائر التي نهى عنها الإسلام، وهو صفة مذمومة تؤدي إلى ضياع الحقوق ونشر الفساد في المجتمع، وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة تحث على الصدق وتحذر من عواقب الكذب، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (غافر: 28)، وقال تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ) (الزمر: 60)، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً». (متفق عليه).
والكثير من الشعراء والفلاسفة والمفكرين عبَّروا عن ازدرائهم للكذب وبيّنوا أثره السلبي في المجتمع، وقال الإمام الشافعي: «عليك بالصدق وإن لم ينفعك، فإن الكذب يهلكك»، وقال المتنبي:
إذا كان الكَذُوب يُحبّ صِدْقي
فكيف أحبّ صِدْقَ الكاذِبِينا؟
وقال جان جاك روسو: «الكذب هو أبشع صفات البشر، لأنه يُفسد كل العلاقات ويدمر الثقة»، وقال تولستوي: «لا يوجد كذب أبيض أو أسود، كل الكذب سام، ويدمر الأرواح قبل أن يدمر العلاقات»، وقال مصطفى لطفي المنفلوطي: «إن الصدق هو روح الحياة، أما الكذب فهو موت بطيء للنفس قبل الجسد».
لكل ما ذكر فإن الكذب جريمة أخلاقية لا تُمحى بسهولة من ذاكرة الرجال، فهو ليس مجرد زلة لسان، بل هو موقف قد يهدم الثقة ويؤدي إلى انهيار العلاقات، ورغم أن البعض قد يبرر الكذب بأسباب مختلفة، إلا أن الحقيقة تبقى في أن الصدق هو الأساس في كل علاقة ناجحة، سواء على المستوى الشخصي أو المهني أو الاجتماعي، والصدق لا يجعل الإنسان فقط محط احترام الآخرين، بل يضعه في مكانة عالية عند الله والناس.