سارا القرني
يشهد الشرق الأوسط تحولاً كبيرًا في الديناميكيات السياسية والاقتصادية، وخصوصًا مع ظهور الاتفاق النووي السلمي المدني التجاري الجديد بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، يعتبر هذا الاتفاق خطوة إستراتيجية تسعى من خلالها المملكة إلى تنويع مصادر طاقتها وتعزيز أمنها الطاقوي، مما يعكس تطلعات المملكة نحو مستقبل أكثر استدامة.
المعلن عنه حول تفاصيل هذا الاتفاق هو إنشاء مفاعلات نووية مدنية في السعودية، حيث تسعى المملكة إلى استخدام الطاقة النووية لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة. ويشمل هذا التعاون الكبير بين المملكة وأمريكا تبادل التكنولوجيا والخبرات إضافة إلى توطين الوظائف، مما يعزِّز من قدرة المملكة على تطوير برنامج نووي سلمي يسهم في تحقيق أهدافها البيئية.
تتمتع الطاقة النووية بعدة مزايا مقارنة بالطاقة الناتجة عن مشتقات البترول.
أولاً، من حيث الكفاءة، يُعتبر توليد الطاقة من المفاعلات النووية أكثر فعالية؛ إذ يمكن لمفاعل نووي واحد أن ينتج كميات هائلة من الطاقة مقارنة بحجم الوقود المستخدم.
على سبيل المثال، يمكن لمفاعل نووي صغير أن ينتج كهرباء تعادل ما يمكن أن تنتجه عدة حقول نفطية، مما يقلِّل من حاجة الاعتماد النفط واستخداماته.
ومن الناحية البيئية، تُعتبر الطاقة النووية خيارًا أكثر صداقة للبيئة مقارنة بمشتقات البترول. فبينما تُنتج محطات توليد الطاقة بالوقود الأحفوري كميات كبيرة من انبعاثات الكربون والملوثات الأخرى التي تؤثّر سلبًا على جودة الهواء وتساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن المفاعلات النووية لا تُنتج انبعاثات غازات دفيئة أثناء عملية توليد الطاقة. أي أن التحول نحو الطاقة النووية سيسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتقليل الأثر البيئي.
من المتوقع أن يكون لهذا الاتفاق تأثيرات عميقة على المنطقة، حيث يمكن أن يُعزِّز من الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المملكة خاصة والخليج بشكل عام، ويعزِّز من قدرة السعودية على مواجهة التحديات المرتبطة بالتحولات الاقتصادية العالمية.
كما أن هذا التعاون قد يكون له دور في تعميق العلاقات أكثر بين المملكة والولايات المتحدة، مما يعكس رغبة أمريكا في تعزيز شراكاتها الإستراتيجية في المنطقة.
ولكن.. أين ستبني المملكة مفاعلها؟! فالمواقع بالقرب من المدن الكبرى مثل الرياض أو جدة خيارًا ممتازاً نظرًا للبنية التحتية المتطورة وسهولة الوصول إلى الموارد اللازمة. وكذلك المناطق القريبة من البحر الأحمر، حيث يمكن الاستفادة من المياه للتبريد، مما يعزِّز من كفاءة المفاعل.
خطوة الاتفاق النووي المدني التجاري السلمي بين المملكة وأمريكا هي خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الثنائي، ويعكس التطورات الجديدة في الشرق الأوسط.
من خلال هذا الاتفاق، يمكن للسعودية أن تضع أساسًا قويًا لمستقبل آمن ومستدام، مع التركيز على الحفاظ على البيئة وتقليل الاعتماد على النفط. وهو استثمار في مستقبل أكثر نظافة وأمانًا للأجيال القادمة.