عايض بن خالد المطيري
في مشهد يُجسد عمق التفاعل بين القيادة وتطلعات المواطن، جاء توجيه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بإطلاق حزمة من الإجراءات التنظيمية والميدانية لوقف تصاعد أسعار العقارات في العاصمة الرياض، كرسالة واضحة بأن مصلحة المواطن أولوية لا تحتمل التأجيل.
هذا التدخل ليس مجرد قرار إداري عادي؛ بل هو رؤية متكاملة تعكس وعياً دقيقاً بتفاصيل الواقع واحتياجات الأفراد، وتُعبر عن قيادة تملك الشجاعة والجرأة في اتخاذ ما يلزم لصون الاستقرار المعيشي والاجتماعي.
لقد شهد القطاع العقاري خلال السنوات الماضية موجات متلاحقة من الارتفاعات غير المبررة، ما جعل حلم امتلاك المسكن بالنسبة لكثير من الشباب والمواطنين مجرد أمل بعيد المنال. وأمام هذه المعادلة المختلة، لم يكن بالإمكان الاستمرار دون تدخل مباشر يعيد التوازن بين العرض والطلب، ويكسر احتكار بعض الجهات أو الأفراد الذين جعلوا من السوق ساحة لمصالح ضيقة لا تعبأ بالعدالة أو الاستدامة.
توجيهات سمو ولي العهد جاءت واضحة ومحورية، بدءًا من رفع الإيقاف عن التصرف في أراضٍ شاسعة شمال الرياض، ما يعني توسيع الرقعة المتاحة للبناء والتطوير، وهو ما من شأنه أن يزيد من المعروض ويرفع من مستوى التنافسية، ويكسر احتكار الأراضي الذي كان أحد أبرز أسباب الغلاء. كما أن توفير ما يصل إلى 40 ألف قطعة أرض سكنية سنوياً بأسعار معقولة لا تتجاوز 1500 ريال للمتر، يمثل تحولاً نوعياً في مفهوم الدعم السكني، ويعزز من قدرة الشباب والأسر على التملك دون الوقوع تحت رحمة السوق والمضاربات.
ولعل الأهم من ذلك، أن هذه الإجراءات لم تقتصر على زيادة المعروض فقط، بل شملت أيضاً تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء بما يكفل تحفيز التطوير ومنع الاكتناز، وهي خطوة ذكية تُغلق ثغرة طالما استغلها البعض لتعطيل التنمية وتعظيم الأرباح دون وجه حق.
وفي السياق ذاته، يُعَد توجيه سمو ولي العهد -حفظه الله- بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر خطوة استراتيجية تعيد التوازن إلى سوق الإيجار، وتكفل حقوق جميع الأطراف.
وقد كان لصحيفة «الجزيرة» طرح واضح في هذا الجانب، عبر مقالات عدة ومنها مقال بقلمي تحت عنوان «آن الأوان لوضع حد لاستغلال المستأجرين». والتي تنادي بضرورة التدخل لوضع حد للزيادات العشوائية وغير المنطقية في الإيجارات، والتي أثقلت كاهل المستأجرين وأثرت على استقرارهم المعيشي والأسري.
ويُعد تكليف الهيئة الملكية لمدينة الرياض والهيئة العامة للعقار بمراقبة الأسعار وتقديم تقارير دورية، دليلاً على جدية التنفيذ، وتوجهاً نحو الشفافية والحوكمة الفعلية، لا الاكتفاء بالتنظيمات النظرية. إنها بداية لتصحيح طويل انتظره المواطن طويلاً، وينتج عنه ضبط للسوق العقاري، وكبح لجشع بعض المستثمرين الذين تعاملوا مع العقار كوسيلة ربح فقط دون مراعاة للمصلحة العامة.
ما يحدث اليوم في ملف العقار ليس إجراءً عاديًا، بل هو تصحيح لمسار طويل من التعقيد والتضخم، ورؤية تستهدف إعادة التوازن للقطاع بما يحقق تطلعات المواطنين، خاصة شريحة الشباب التي تنتظر بفارغ الصبر فرصاً حقيقية لبناء مستقبلها. إنها لحظة فارقة تعكس كيف يمكن لقرار سيادي واعٍ أن يُحدث فرقاً حقيقياً في حياة الناس، وأن يُلجم جشع المضاربين، ويفرض العدالة الاقتصادية في السوق.
ومن هذا المنبر لا يسعنا إلا أن نثمِّن هذا التدخل العظيم من سمو ولي العهد، والذي يُعد نموذجاً حيًّا على قيادة تسير بخطى ثابتة نحو بناء وطن لا يترك أحداً خلفه. قيادة تنظر إلى المستقبل بعين المواطن، وتعمل من أجله، وتضع كل إمكانات الدولة في سبيل راحته واستقراره. إنها رسالة أمل لكل شاب وكل أسرة بأن المسكن لم يعد حلماً، بل هو حق تضمنه الدولة وتعمل على تحقيقه بكل عزم وإخلاص.