عبدالعزيز صالح الصالح
عندما استقر نبي الرحمة محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه في المدينة المنورة شرع في تأسيس الاقتصاد الإسلامي وكان يهدف من ذلك إلى خلق جو من الحب والتعاون والإيثار بين أفراد الأمة، وكانت وسيلته في ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية، حتى لا يكون جائعاً يعيش بجوار مجتمع متخم، حتى يستطيع جميع أفراد المجتمع أن يعيشوا حياة كريمة، كل على حسب عمله وجهده. فالإسلام لا يحارب الغني، ما دام قد حصل على ماله بطريقة مشروعة، وليس على حساب الآخرين فالإسلام يبيح عند الضرورة أن يؤخذ من حال الغني ما يفي بحاجة الفقير، فقد اختفى الفقر في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي، حتى كان الغني يبحث عمن يتسلم منه الزكاة، فلا يكاد يجده. فالشريعة الإسلامية تبيح حق الملكية الفردية للمال، ويحرس هذه الملكية، وينقلها إلى ورثة المالك عن طريق نظام الميراث في الإسلام وقد نسب الباري عزوجل الأموال للبشر في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} سورة التغابن آية (15). وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} سورة البقرة آية (179). وتفيد الشريعة الإسلامية السمحة أن تفاوت الغنى بقدر الجهد الذي يبذله كل فرد من أفراد الأمة، وبقدر التوفيق الذي يصادفه - كما قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم - {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} سورة الزخرف آية (32). وقال جل وعلا: {وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ} سورة النحل آية (71). ويوضح ديننا الإسلامي العظيم أن ملكية الفرد هي ملكية الانتفاع بالمال في طريقة الصحيح، لأن مرده إلى الباري عز وجل فهو المالك الحقيقي لكل شيء - قال تعالى: {وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} سورة المائدة آية (17). وقال جل وعلا: {لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ} سورة المائدة آية (120). فالله سبحانه وتعالى القادر على منح حق الانتفاع - الذي يسمى بالملكية الفردية - لبعض البشر من الناس قال تعالى: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} سورة الحديد آية (7). وقال جل في علاه {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} سورة النور آية (33). ويقول نبي الأمةلى الله عليه وسلم: (يا ابن آدم تقول مالي مالي، ومالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت). من أهم مبادئ الشريعة الإسلامية تقرير حق الفقير في مال الغني، قال تعالى {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} سورة الذاريات آية (19). وقد وضح الله سبحانه وتعالى أن ما يؤخذ من مال الغني ليس منحة ولا تفضلاً ولا عطاءً، ولكنه حق فالزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، فالغني يمنح الفقير جزءاً يسيراً من ماله، وهذا هو الفعل الصحيح لكي يسعد أفراد المجتمع، ويربط قلوب أفراده برباط المحبة والعطف والرحمة والمودة - وبهذه الطريقة فإن ديننا العظيم ينقل المرء من أبجديات الأنانية إلى أبجديات الإيثار - فالزكاة أداة تطهير للنفس البشرية قال تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم} سورة التوبة آية (103). وقد حرص المسلمون الأولون على أن يؤدوا زكاة أموالهم إلى مستحقيها، كما أن تعفف الفقراء من المسلمين لأنهم كانوا يحرصون على كسب قوتهم بعملهم - وهذا يدل دلالة واضحة على أن المجتمع الإسلامي الأول يستمتع بالحق الواجب في المال فيه صورتيه المنتظمة، وهي الزكاة، وغير المنتظمة وهي الإنفاق للصالح العام - وهذا يدل على أن العدالة الاجتماعية كانت طبيعة المجتمع المسلم استجابة لقول الله عز وجل {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة آية (274). فالواجب أن الإنفاق يقترن بالخلق الرفيع، والخلق الحسن، حتى يسود الحب بين أفراد المجتمع الواحد، ويتعاون الجميع كافة على خدمات المجتمع، والنهوض به، وبلوغ الأهداف المنشودة فالنظام الاقتصادي الإسلامي هو النظام الأمثل الكفيل بإسعاد المجتمع، وإيجاد الحب والتعاون والتكاتف، بين أفراد المجتمع، فهو لا يحارب الغنى ما دام بطريق مشروع، وإنما يحارب الفقر ويعمل على القضاء عليه.