ناصر زيدان التميمي
يُعد التأمين الصحي من الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الموظف خلال فترة عمله، إذ يُوفر له ولأسرته الحماية الطبية ويُخفف عنه الأعباء المالية الناتجة عن تكاليف العلاج والدواء، ومع ذلك يفاجأ الكثير من الموظفين بانقطاع هذا التأمين بمجرد إحالتهم إلى التقاعد، مما يثير تساؤلات مشروعة حول الأسباب التي تحول دون استمراريته. يعود السبب الرئيس إلى أن التأمين الصحي غالبًا ما يكون مرتبطًا بشكل مباشر بعلاقة العمل بين الموظف وجهة العمل، حيث تتحمل الجهة الموظفة جزءًا كبيرًا من التكاليف أو تغطيها بالكامل، وبانتهاء الخدمة الوظيفية تنتهي التزامات جهة العمل تجاه الموظف ما لم توجد اتفاقيات أو أنظمة خاصة تضمن استمرار هذه الميزة بعد التقاعد. إلى جانب ذلك، تُعد تغطية كبار السن صحيًا من أكثر الجوانب تكلفة بالنسبة لشركات التأمين، نظرًا لزيادة احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة والحاجة الدائمة لمراجعة المستشفيات، مما يدفع العديد من الجهات إلى تجنب تمديد التأمين بعد التقاعد لتفادي الأعباء المالية الإضافية، خاصة إذا لم تكن هناك إلزامية نظامية بذلك. كما أن هناك تفاوتًا بين الدول والأنظمة فيما يتعلق بتوفير التأمين الصحي للمتقاعدين، ففي بعض البلدان تتكفل الدولة بتوفير الرعاية الصحية الأساسية عبر القطاع الحكومي، بينما تعتمد دول أخرى على القطاع الخاص أو برامج التأمين الفردي، مما يترك المتقاعد في مواجهة خيارات قد تكون مكلفة أو محدودة.
ومن الملاحظ أيضًا أن العديد من الموظفين لا يُخططون مسبقًا لمسألة الرعاية الصحية بعد التقاعد، إما لعدم الوعي بأهمية هذا الجانب أو لافتراضهم الخاطئ بأن التأمين سيستمر تلقائيًا، وحين يصلون إلى مرحلة التقاعد يجدون أنفسهم في مواجهة فجوة صحية ومالية قد تؤثر بشكل مباشر على جودة حياتهم، خصوصًا في ظل تزايد الاحتياجات الصحية مع التقدم في العمر. ولهذا فإن معالجة هذا التحدي يتطلب تضافر الجهود من عدة أطراف، أولها الجهات الرسمية عبر سن أنظمة تُلزم بتوفير تغطية صحية مناسبة للمتقاعدين، وثانيها جهات العمل من خلال إدراج خطط تأمين ممتدة ضمن عقود التوظيف أو عبر شراكات مع شركات التأمين، وثالثها الموظف نفسه الذي ينبغي أن يضع في اعتباره منذ بداية مسيرته المهنية أهمية تأمين مستقبله الصحي بعد التقاعد، إما من خلال الاشتراك في برامج خاصة أو عبر التوفير والادخار لهذا الغرض.
في الختام، إن انقطاع التأمين الصحي بعد التقاعد لا يجب أن يكون أمرًا حتميًا، بل هو قضية قابلة للحل بالتخطيط والتنظيم والتعاون، إذ إن توفير الرعاية الصحية للمتقاعدين لا يُعد رفاهية بل هو استحقاق إنساني واجتماعي، ومن حق كل من أفنى سنوات عمره في خدمة مجتمعه أن يحظى برعاية صحية تحفظ كرامته وتُخفف عنه هموم الكبر والمرض.