أ.د.عثمان بن صالح العامر
الزوجة والوالد والمال من أهم ركائز السعادة في هذه الحياة، ومن أقرب المحبوبات في هذا الوجود للنفس البشرية على الإطلاق، ومع ذلك فالله عزَّ وجلَّ بيَّن في كتابه الكريم أن الزوجة والولد قد يكونان أعداءً للمؤمنين مع أن تصور العداوة منهما مستبعد في العادة، والولد والمال ربما كانا فتنة مع أن الأصل فيهما خلاف ذلك. وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}، {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
إن مفهوم العداوة والفتنة لا يرتبطان في ذهنية المسلم بالحدث السياسي والتحرك العسكري فحسب، إذ إن دائرتهما أوسع من ذلك بكثير، فهما يشملان العداوة والفتنة العقدية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية و... وربما كان عدوك من ينام بجنبك، أو من خرج من صلبك لا سمح الله، وهذا يقودنا -في هذا المقال- إلى محاولة تحديد هوية العدو، ومعرفة كنه الفتنة في شرعنا الحنيف.
هناك أعداء ظاهرون بعيدون عن كياننا الأسري، وأعداء آخرون هم أقرب الناس إلينا، وعداوتهم لنا قد لا تكون مباشرة، وضررهم علينا ليس اليوم وإنما في قادم الأيام، ولكون خطرهم قد لا يكون مدركاً لنا لثقتنا المطلقة بهم واطمئناننا لهم جاء تنبيه الله عزَّ وجلَّ لكل مؤمن منهم فكن على حذر.
ليس في هذا القول دعوة للتربص والتصيّد والتجسّس والتحسّس داخل بيوتنا، ولكنها دعوة لضبط علاقتنا بأقرب الناس لنا حتى يبقى المال والولد زينة، والزوجة سكن ولباس، وحتى لا يكون حباً لهم وخوفاً عليهم وحرصاً على تأمين مستقبلهم مانعاً لنا عن بر الوالدين، وفعل الخير، والتصدّق في وجوه البر المتنوعة والمتعدِّدة.
كثيرون منا لا يستشعرون معنى العداوة الوارد في هذا النص القرآني الخالد، ولَم يقرؤوا من قبل سبب نزول الآية، ولذلك فهم على ثقة مطلقة من أن جنس العداوة لن يأتيهم من داخل بيوتهم، بل ومن أقرب الناس لهم وبطريقة لا تخطر لهم على بال.
ساقني للحديث هنا عن هذا الموضوع (العداوة والفتنة الأسرية) ما نعيشه اليوم من انفتاح الكون أمام الجيل، واختلط عالم السماء بالأرض، حتى أضحى التواصل والاتصال اللحظي والفوري عالمياً لا أسرياً ولا هو محلياً، اتصال صوتاً وصورة لا يعترف لا بحدود ولا يؤمن بفارق السن أو اختلاف المعتقد والجنس واللون واللغة والعادات والأعراف والقيم و... والسبيل لمد جسور هذا التواصل الحر الذي لم يسبق له مثيل من قبل هو جهاز بحجم اليد الواحدة يملكه الكل وينشغل فيه ومعه الجميع بلا استثناء ولذلك قد يكون جراء هذا التحول العالمي المهول أعداء لنا من أقرب الناس إلينا أشد بكثير مما كان عليه الحال من قبل، وقد لا نعرف حقيقة ما يخفون في صدورهم إلا بعد أن يستشربوا أفكاراً مدمرة ويعتنقوا أيديولوجيات محرَّمة لا سمح الله فيكونون طابوراً خامساً في خندق الأعداء الذين يتربصون بِنَا وبديننا وأوطاننا شراً والعياذ بالله، أو أنهم على الأقل تصدر منهم أقوال وينتهجون سلوكيات هي في الإطار العام تخدم الأعداء بصورة أو بأخرى وتهدِّد كياناتنا الأسرية وتولِّد داخل بيوتنا الفتنة والشر والعياذ بالله فلنحرص ولنتواص ولنتعاون من أجل حماية أنفسنا وذوينا وبلادنا من كل عدو. وإلى لقاء والسلام.