د.محمد بن عبدالرحمن البشر
ليلة الزفاف بلا شك ليلة ليست كالليالي، تكسوها مباهج ومظاهر خاصة، كما يصاحبها خليطٌ من مشاعر شتى لدى الطرفين، وقد تكون مظاهر الابتهاج يسيرة وبسيطة جداً، أو قد يصاحبها إسراف وبذخ لا حدود له، وهناك درجات بين الطرفين، وبعد ذلك يبقى توفيق رب هذا الكون، هو الغاية المنشودة، ولعل دعوة مستجابة تفتح أبواباً مؤصدة، فتلين الأفئدة، وتسير الحياة بين الزوجين في سعادة وهناء، وأمن ورخاء.
حدثنا التاريخ المكتوب، أو المستفاض والمنقول بالمشافهة، عن قصص رويت وسطرت، ومنها تلك التي حدثت قبل نحو ثلاثة آلاف عام، عندما تزوج رمسيس الثاني حاكم مصر القديمة، من ابنة ملك الحيثيين، الذين قدموا من هضبة الأناضول، وحكموا سوريا، وأصبحوا قوة شرق أوسطية كبيرة، لم ينافسها في ذلك الزمان غير مصر، وقد حدث صراع نفوذ بين القوتين العظيمتين، انتهى بالتعادل بعد معركة قادش، فجنحا إلى السلم، فحقنوا الدماء، ولتوثيق السلام زوج الملك الحيثي ابنته من رمسيس الثاني حاكم مصر، وأقيمت لذلك الأفراح والليالي الملاح، وصرف على تلك الحفلة ما لا يعد ولا يحصي من المال، والمجوهرات والقطع العينية، وانتقلت العروس إلى مصر، لم تكن زيجة وإنما وسيلة سياسية لتفعيل التقارب بين القوتين العظيمتين، وبقيت الزوجة البائسة في قصر حاكم مصر، لا تبارحه، ولا تخرج منه إلا في النادر من الوقت، وظلت كئيبة في قصرها، ولم تهنأ بعرسها.
كما نقل لنا التاريخ قصص زواج الكثير من حكام مصر القديمة مثل إخناتون وغيره، وفي العصر العباسي كان زواج قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد طولون الحاكم المملوك بالخليفة العباسي الموفق وتعتبر من أشهر الزيجات التاريخية، فقد كان المماليك يحكمون مصر، ويتبعون الخليفة العباسي في بغداد إسمياً، وقد أراد خمارويه أن يسترضي الخليفة العباسي المعتضد، وأن يحظى بشرف نسب الخليفة، فعرض علية تزويج ابنته من ولي عهد خليفة المسلمين، لكن الخليفة قبل العرض على أن يكون هو الزوج، وقال: أراد أن يوقعنا بشركه فأوقعناه بشركه، وفي نهاية الأمر كان زواجاً باذخاً بما تعنيه الكلمة من معنى، وقد زادت بسببه ثروة جوهري بغداد ابن الجصاص أضعافاً مضاعفة، وتحدث كبار المؤرخين مثل المقريزي، وابن كثير، وغيرهم، عن هذا العرس، وهناك من ذكر أن خزينة مصر أصبحت خاوية بعد هذا العرس وبسببه، وفي نهاية الأمر دخلت الفتاة الشابة الجميلة البالغة نحو واحد وعشرين ربيعاً على الخليفة العجوز البالغ سبعين سنة فأحبها حباً جماً، وعاشت في القصر عيشة بائسة حزينة، وتوفي والدها بعد الزواج بقليل، ولم تطق الحياة فتوفيت بعد وفاة والدها بفترة وجيزة.
بقي أن نتحدث عن مشاعر العروس ليلة زفافها، فقد كانت تعيش محاطة بحنان والديها، ورعايتهما، ودلالها عليهم الذي يهنؤون به، كما حملوا عنها بسعادة وسرور مشاق الحياة بكل عجائبها، ومواجعها، وآلامها، وخطوبها. وبعد حفلة الزواج ستنتقل إلى عالم جديد مختلف، تتحمل فيه المسؤولية، واتخاذ القرار، ومراعاة مشاعر وسلوك رجل، جاء من بيئة وثقافة أخرى قد تكون أفضل أو أدنى، وسوف تفقد محيط الحنان اليومي، لتكون ماهرة في مراعاة شعور رجل آخر لتكسب ودَّه وحنانه، أما الرجل فإنه في ليلة زفافه ربما لا يفكر إلا في أمر واحد، هو يعلمه.
لعله يقول كما قال شوقي:
ريمٌ على القاع، إلى أن يقول:
جرح الأحبة عندي غير ذي ألم