أ.د.عبدالرزاق الصاعدي
قد يعدّ اللفظ فائتًا مع أنه في المعاجم! وهذا أعجب ما واجهني في مشروع الفوائت، فكيف يكون في اللفظ في المعاجم ثم يعدّ من الفوائت؟
إليكم إيضاح هذه المسألة الدقيقة، فأقول: المعاجم مخازن اللغة، بُنيت على أنظمة معجمية بالغة الدقة، أسّها وعمودها الجذر، فكل كلمة تُمعجم في جذرها، إليه يعود المطالع إن أرادها، ولا يعود إلى غيره، ولا يقرأ المعجم من أوله إلى آخره بحثا عنها، ووقع للمعجميين ما يشبه الغفلة عن بعض الكلمات، فقد ترد مع كلمات مرادفة لها، في غير جذرها، فيغفلون عن ذكرها في جذرها، فترد بصورة عارضة في شاهد لغيرها، ثم يغفلون عن ذكرها في جذرها، فتكون بذلك من الفوائت، لأن مطالع المعجم يعود إلى جذر الكلمة، ولا يذهب إلى غيره.
ومن الفوائت القطعية قول العرب: فرس فُلّت كُلّت، بوزن سُكّر فيهما، وفرس فُلَت وكُلَت بوزن صُرَد فيهما، وقد جاء هذا في التهذيب في مادة (كلت) 10/ 137: «قال أبو تراب: سمعت الثّعلبيّ يقول: فَرَسٌ فُلَّتٌ كُلَّتٌ، وفُلَتٌ كُلَتٌ؛ إذا كان سريعاً». ولكن الأزهري وسائر المعجميين لم يُمعجموا قول العرب: فرسٌ فُلّت ولا فرسٌ فُلَت في مادة (فلت) مع أنهم ذكروه في (كلت)، فهذا فائت، فليستدرك.
ومما فاتهم وهو في معاجمهم (السمكة الزالخة)، روى الأزهري في (أطم) 14/ 44 قول: «عَمْرو عن أبيه: الأطُوم: سمكةٌ في البَحر يُقال لها الـمَلِصَة، والزالِخة»، ولم ترد الزالِخة في جذرها (زلخ) مع أنهم ذكروها في جذرين: (أطم) و(وملص) وهي فائت، فلتستدرك.
ومما فاتهم وهو في تضاعيف معاجمهم الفعل (تَبَدّى) على وزن (تفعّل) بمعنى ظهر، وقد جاء في شعر قديم، منه قول عمرو بن معدي كَرِب (شعره 81):
وبدتْ لَمِيسُ كأنّها بدرُ السّماءِ إذا تَبَدَّى
فـ (تَبَدّى) على وزن (تفعّل) بمعنى ظهر، وقد جاء عارضا في بعض الشواهد، ولم يذكروه في جذره (بدو) وذكروا تبدّى بمعنى أقام في البادية. ومن شواهده ما جاء في شمس العلوم في مادة (قرن) 8/ 5421 من شعر قَيْس بن الخَطيم، شاهدًا لـ(قَرْن الشمس) وهو قوله (ينظر: ديوان قيس بن الخطيم 79 وروايته: تبدّت لنا كالشمس تحت غمامة):
تَبَدّتْ كقَرْنِ الشَّمْسِ تَحْتَ غَمامةٍ
بَدا حاجبٌ منها وضنّتْ بحاجبِ
فليستدرك هذا الفعل في جذره.