د. فهد بن عبدالله الخلف
وقفتُ على هذا النصّ في شرح ابن برهان (ت569هـ) على كتاب اللمع لابن جنّي (ت392هـ)، ولي وقفة مع بعض ما ورد فيه، قال ابن برهان: «فإن وقع (ابن) وصفًا بين علمين حذفتَ التنوين من الأوّل من اللفظ، وحذفتَ الألف [همزة الوصل] من الأوّل من اللفظ والخطّ، فقلتَ: هذا زيدُ بنُ عمرٍو؛ لأنّهم أرادوا أن ينبّهوا على شدّة اتّصال الصفة بالموصوف، فإن كان خبرًا أو بدلًا أُبقيَ التنوين لفظًا والألف خطًّا، وعلى هذا قرئ: {وقالت اليهود عزيرٌ ابنُ الله} فيمن جعله خبرًا، ومن جعله وصفًا قرأ: {عزيرُ بنُ الله}»(1).
أشكل عليّ في هذا النصّ أمران هما: الأوّل في قوله: حذفتَ التنوين من الأوّل من اللفظ، والإشكال هنا في اقتصار ابن برهان على أنّ المحذوف هو لفظ التنوين أيْ: نطقُه، والصواب أنّ التنوين يُحذَف لفظُه وكتابتُه إذا وُصِفَ العلمُ بابن، وقد استشهد بقراءة {عزيرُ بنُ اللهِ} التي حذف منها تنوين موصوف كلمة (ابن) في اللفظ والخطّ، ومثّل لذلك أيضًا بقوله: هذا زيدُ بنُ عمرٍو، وهذا يعارض ما ذهب إليه.
والأمر الثاني: يشكل أيضًا على استشهاد ابن برهان بقراءة {عزيرُ بن الله} ما أورده السمين الحلبيّ (ت756هـ) من قوله: «ولم يرسم في المصحف إلّا ثابت الألف، وهي تنصر من يجعله خبرًا»(2). إن كان كلام السمين الحلبيّ دقيقًا فإنّ هذا يثير قضيتين نحويتين لهما صلة بالكتابة في هذه الآية الكريمة هما:
القضيّة الأولى: أنّ الاستشهاد بقراءة {عزير بن الله} على أنّ إعراب (ابن) نعتًا لا يستقيم، فهي خبر، وهمزة الوصل باقية دون حذف.
القضيّة الثانية: ليس حذف التنوين من الموصوف (عزير) سببُه النعت بكلمة (ابن) إذ إنّها تعرب خبرًا في الآية، وإنّما قد يكون ممنوعًا من الصرف للعلميّة والعجمة عند بعض العلماء (3)، وإن كان العكبريّ يضعّف هذا القول بقوله: إنّ الاسم عربيّ عند أكثر الناس، ومكبّره مصروف؛ لسكون وسطه فصرفه في التصغير أولى (4)، أو يكون حذف التنوين سببه التقاء الساكنين: سكون التنوين، وسكون باء كلمة (ابن)، فهو على هذا اسم عربيّ مصروف (5).
نخلص ممّا سبق إلى ما يأتي:
الأوّل: في عبارة ابن برهان تجوّز عندما قال: إن وقع (ابن) وصفًا بين علمين حذفتَ التنوين من الأوّل من اللفظ، ويقصد بالأوّل الموصوف بكلمة (ابن)، والدقيق أن يقول: حذفت التنوين من الأوّل من اللفظ والرسم.
الثاني: تكاد تجمع كلمة من عُدتُ إلى أقوالهم من اللغويّين في إعراب {عزير ابن الله} إلى أنّ كلمة (ابن) تعرب خبرًا للمبتدأ، وليست نعتًا فهمزة الوصل فيها باقية دون حذف من الخطّ، وهذا ما يؤيّده قول السمين الحلبيّ: ولم يرسم [ابن] في المصحف إلّا ثابت الألف.
**¬__**¬__**¬__**¬__**¬__**
(1) سعيد بن المبارك بن الدهّان، الغرّة في شرح اللمع من أوّل باب (إنّ وأخواتها) إلى آخر باب (العطف): مع دراسة لفكره النحويّ، تحقيق: فريد بن عبد العزيز الزامل، دار التدمريّة، الرياض، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1432هـ/ 2011م، جـ2، ص769.
(2) أحمد بن يوسف السمين الحلبي، الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق: أحمد الخرّاط، دار القلم، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى، 1986م جـ6، ص38.
(3) انظر الدرّ المصون، جـ6، ص38.
(4) انظر عبد الله بن الحسين العكبريّ، التبيان في إعراب القرآن، تحقيق: عليّ البجاوي، عيسى البابي الحلبي، القاهرة، مصر، د.ط، 1399هـ، جـ2، ص640.
(5) انظر الدرّ المصون، جـ6، ص38.
** **
- جامعة الملك سعود