فوزية الشهري
تُعد التوسعة الثالثة للحرم المكي إنجازًا تاريخيًا سعوديًا عظيمًا في خدمة ضيوف الرحمن، وتجسيدًا لمرحلة مفصلية في مسيرة إعمار الحرم. فقد بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا جبارة على مر السنين، وتُوجت هذه الجهود بهذه التحفة المعمارية الفريدة.
بدأت هذه التوسعة بأمر من الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، واستُكملت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-. وتُعتبر التوسعة الأكبر من نوعها، حيث زُوِّدت بأحدث تقنيات البناء والهندسة المعمارية، مما يجعلها نموذجًا فريداً. ولم تكن هذه التوسعة مجرد مشروع عمراني ضخم، بل كانت تهدف بالأساس إلى تسهيل أداء الشعائر الدينية للمسلمين القادمين من مختلف أنحاء الأرض، في ظل تزايد أعداد الحجاج والمعتمرين سنويًا.
ومن خلال هذه التوسعة، وفّرت المملكة بيئة آمنة ومريحة لضيوف الرحمن، وحققت نقلة نوعية في إدارة الحشود، مما أسهم في رفع كفاءة الخدمات وسهولة الحركة. وتؤكد المملكة دومًا أنها تفخر منذ تأسيسها بشرف خدمة الحرمين، وتسعى لتسخير كافة إمكانياتها في سبيل ذلك. وتقع مسؤولية عظيمة على عاتق كل من تطأ قدمه أرض الحرمين، من خلال الالتزام بالأنظمة والتعليمات، والحفاظ على قدسية المكان، وتجنب الإضرار بالآخرين ممّن جاءوا للعبادة والخشوع.
وقد حرصت المملكة على رفع مستوى التوعية للحجاج والمعتمرين بكل اللغات، واهتمت بجوانبهم الصحية والتنظيمية. غير أن بعض الزوار لا يكون لديهم الوعي الكافي بالشعائر أو الأنظمة، مما يسبب مشكلات تتكرر في كل موسم. ولهذا، فإن إلزام حملات الحج والعمرة بتقديم التوعية والتثقيف الديني والصحي، وشرح الأنظمة قبل السفر، من شأنه تقليل مثل هذه المظاهر.
كما أن فرض العقوبات على المخالفات التي تعيق أداء المناسك، وتعريف الحجاج بها مسبقًا، سيُسهم في التزامهم. ويمكن أيضًا مطالبة الحملات بتوقيع تعهدات عن التزامها بتوعية الحجاج، وتحميلها المسؤولية في حال حدوث مخالفات. ومثال جيد على ذلك القرار الأخير الذي يقضي بتحمُّل الحملات لغرامة مالية عن المتخلفين من أتباعها، والذي بإذن الله نرى آثره قريباً.
من المشكلات المتكررة مثلاً: تكرار الطواف أو دخول صحن الطواف بدون أداء العمرة والتحايل من أجل ذلك ومن الحلول الممكنة: ربط كل حاج أو معتمر بباركود في تطبيق «نسك»، يستخدم مرة واحدة لدخول الصحن للطواف كمعتمر وهي فكرة قد تسهم في تنظيم أفضل، رغم أن كثرة الأعداد ربما ستكون من المعوقات لمثل هذا التنظيم.
تجربة دخول الروضة الشريفة عبر الحجز الإلكتروني والباركود كانت ناجحة، وقد منحت الزوار فرصة أكبر للاستمتاع بالروحانية في أجواء منظمة. وهو ما يدعم فكرة التوسع في استخدام هذه الحلول التقنية في باقي المشاعر المقدسة.
وفي الختام، لا يمكن إغفال أهمية التوعية الدينية. فمن المؤسف أن بعض الحجاج ينفق أموالاً طائلة للوصول إلى هذه الأماكن المباركة، ثم يتسبب في إيذاء غيره بتصرفات كان يمكنه تجنبها لو فكر في أثرها. الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- نهى عن دخول المسجد لمن أكل بصلاً أو ثومًا، لما في ذلك من أذى، فكيف ببعض التصرفات التي تتكرر في هذه البقاع المقدسة؟! وممن جاء من أجل الثواب من الله! إن تعزيز التوعية، وتوضيح الأنظمة، وسن العقوبات، وتعريف الحجاج والمعتمرين بها قبل قدومهم، سيكون له بالغ الأثر في الحد من المظاهر غير المرغوب فيها، وجعل رحلة الحج والعمرة أكثر روحانية وتنظيمًا.
الزبدة:
احنا أشهر من علم
احنا خدَّام الحرم