تغريد إبراهيم الطاسان
في كل عام، يتجدّد شرف خدمة ضيوف الرحمن على أرضٍ جعلها الله مثابةً للناس وأمنًا.
وفي قلب هذا الشرف، تأتي المسؤولية الكبرى: أن تُدار هذه الشعيرة العظيمة بأقصى درجات الانضباط والرحمة والتنظيم.
من هنا، لم يكن شعار «لا حج بلا تصريح» مجرّد إجراء تنظيمي، بل هو تعبير عن مرحلة جديدة في إدارة الحج، ترتكز على الرؤية، وتستند إلى التقنية، وتستشرف المستقبل.
تُعد منصة «تصريح» إحدى اللبنات الأساسية في بناء منظومة رقمية متكاملة لخدمة الحجاج، حيث تتيح للعاملين والمتطوعين والمركبات ذات العلاقة الحصول على التصاريح اللازمة لدخول مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، مع ربط فوري ومرن بتطبيق «توكلنا»، الذي بات نافذة شاملة للخدمات الوطنية الذكية.
بهذا الربط، تنتقل تجربة الحج من بيئة الإجراءات الورقية المبعثرة إلى فضاء رقمي موحد، يعزز الدقة والشفافية والانسيابية.
المنصة التي طورتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) بالشراكة مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، لا تمثّل مجرد بوابة تقنية، بل تُجسّد حالة ناضجة من التكامل المؤسسي.
هو تكامل لا يهدف فقط إلى تنظيم حركة الأفراد والمركبات، بل إلى ضمان جودة التجربة الدينية والإنسانية للحاج، من لحظة قدومه إلى لحظة مغادرته، في انسجام تام مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 وبرنامج «ضيوف الرحمن».
التحوّل الرقمي في منظومة الحج لم يعد رفاهية إدارية، بل ضرورة تفرضها تعقيدات الزمن وكثافة الأعداد وتطلعات العالم إلى أن تظل السعودية نموذجًا في إدارة الحشود باحتراف وإنسانية.
من هنا، فإن «لا حج بلا تصريح» لا ينبغي أن يُفهم كمنع، بل كصون. صون للمكان من الفوضى، وللشعيرة من الازدحام، وللحاج من التعطيل، وللخدمة من التراكم العشوائي.
هذه التجربة لا تعبّر فقط عن نضج إداري، بل عن رؤية ترى في الحج فرصة لتجسيد قيم الدولة: التنظيم، الكفاءة، الرحمة، والابتكار. وهي في جوهرها، رسالة إلى العالم بأن رعاية الحجيج لم تكن يومًا وظيفة ظرفية، بل التزام تاريخي وحضاري تحمله المملكة بكل فخر ومسؤولية.
إن إدارة الحج ليست مجرد موسم ينتهي، بل منظومة مستمرة من التخطيط والحوكمة والتطوير، تُدار بعقل الدولة وقلب الأمة.
وعندما يتحول التنظيم إلى ثقافة، والالتزام إلى وعي جمعي، نكون قد انتقلنا من رد الفعل إلى صناعة النموذج. «لا حج بلا تصريح» ليس شعارًا إداريًا فحسب، بل عنوان لعصر جديد من الحوكمة الذكية، حيث يصبح الانضباط شرطًا للتيسير، والتقنية سبيلًا للرقي، والخدمة انعكاسًا لقدسية الزمان والمكان. هكذا تُبنى الثقة، وهكذا تُدار الشعائر بما يليق بضيوف الرحمن، وما يتوافق مع رؤية وطن لا يقبل إلا بالريادة معيارًا.