إن البيئة التنظيمية (التشريعية) تعدُّ الإطار الرئيس للجانب الاقتصادي؛ فهي يدور حولها حماية الحقوق، وتنظم الالتزامات؛ وتشهد المملكة العربية السعودية - بحمد الله - تحولات تنظيمية (تشريعية) في ظلِّ رؤية 2030 وهي تمثل البيئة القانونية والمنظومة المتينة أساسها التوازن، كيف لا؟ وهي تخضع في كلِّ خطوةٍ إلى قياس للأثر التشريعي، ونتيجةً لدراسات مستفيضة، ومنطلقة من خطط استراتيجية.
وقد صدرَ بالمرسوم ملكي رقم (م/83) وتاريخ 1446/3/19هـ نظام السجل التجاري ليحلَّ محل نظام السجل التجاري، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م / 1) وتاريخ 21 / 2 / 1416هـ وقد كان سريان النظام في توقيتٍ مناسب غاية المناسبة وقد تضمن النظام تعديلات جوهرية؛ ونقلة نوعية من شأنها رفع الكفاءة التي تصب في يسر الإجراءات وتعزيز الشفافية وتنسجم مع المبادئ الحديثة للحوكمة التجارية؛ وهي بلا ريب ستواكب تطلعات المستثمرين ورواد الأعمال.
ومما يجدر ذكره في هذا المقال الإشارة إلى بعض التعديلات ومنها: إلغاء السجلات الفرعية وجعل الكيان موحداً قانونياً؛ فالاكتفاء بسجل تجاري موحد على مستوى المملكة، بحيث لا يُلزم التاجر أو المنشأة بإصدار سجل مستقل لكل فرع أو منطقة.
وهذه نقلة نوعية لها آثار بالغة إدارياً واقتصادياً، ويجعل للتاجر مركزاً قانونياً موحداً وهذا من شأنه أن ييسر المعاملات ويحسن كفاءة المراجعة الداخلية أو الخارجية، ويعزز الالتزام؛ وهذا كلُّه سيجعل العمل التجاري مرناً مع الجودة، والإجراءات ميسورة مع الحوكمة.
ومن التعديلات التي تظل شاهدةً على منارة حفظ الثقة في المعاملات التجارية هي: إلغاء تاريخ انتهاء السجل التجاري؛ فهذا التعديل يجعل التاجر مسؤولاً مسؤولية عن تحديث بياناته دون الحاجة إلى تجديد شكلي، وهذا تيسير نظامي، ويحقق حوكمةً ذاتية.
وإنَّ من التحولات التي تتفق مع المبادئ المقاصدية في الفقه؛ التي من شأنها أن تحقق تناسباً بين المخالفة والعقوبة، وتكون حافزاً على الامتثال الطوعي دون الحاجة إلى ردعٍ قسري؛ هو استحداث إجراءات بديلة عن العقوبات التقليدية منها: التنبيه والإنذار ووضع مدة ومهلة لتصحيح الوضع المخالف قبل إيقاع الجزاء المالي؛ وهذا يجعل أن النظام مقصودة التصحيح وليس العقوبة، والتطبيق لا المخالفة؛ وهذا سيمد حبال الثقة وسيقوي أواصر الاطمئنان لدى المستثمرين والتجار.
وإن مما يعزز الشفافية ويمنع التستر ويقوي المصداقية للنشاط التجاري ويقضي على الإشكالات الناشئة في حال عدم تطبيقه؛ هو ربط الحسابات البنكية بالسجل التجاري والذي أصبح ملزماً به؛ مما يجعل التاجر أو شركائه لديه القدرة على تتبع العمليات المالية، ويضمن الفصل بين الذمة المالية للمنشأة وذمم الشركاء الملاك؛ وهو أداة حوكمة مثالية واقتصادية ومالية؛ تعود بالفائدة الكبيرة للمستثمرين ولها أثرها أمام جهات المراجعة.
هذه التعديلات لها عمقها الذي يظهر على جاذبية المملكة للاستثمار؛ فسيجد سمتها الوضوح، وعنوانها الموثوقية في الإفصاح، وخصيصتها السهولة واليسر في الإجراءات، مما يعطي يقيناً ببيئة قانونية ذات استقرارٍ منبنٍ على دراسات مستفيضة، ومؤشرات أداء.
وعوداً على بدء هذه التعديلات والتشريعات والأنظمة التي تصدر في المملكة العربية السعودية ليجد من ينظر إليها أنها صادرة بعد تمحيص، وقياس لأثر تشريعي لكافة الاحتمال، واستطلاعات لآراء العموم والمختصين وتحليل للبيئة القانونية والمالية، ومقارنة للتجارب الدولية والمحلية مما يجعلها مفخرة من مفاخر القوانين، ونهج فريد الذي يجمع الإتقان واليسر، والعدل والجودة.
وأنَّ المملكة العربية السعودية تشهد وضع الأسس النظامية والقانونية الرائدة والمتينة والمستدامة في شتى المجالات ومنها النظام التجاري.
** **
- د. رشام خالد