عبدالعزيز صالح الصالح
يرتكز المجتمع الإسلاميِ على العلم والمعرفة بالدرجة الأولى وعلى خزائن الكتب، فهي تاريخ للحضارة الإسلامية التي قامت على حب العلم والمعرفة والاستفادة من كافة العلوم والمعارف والمهارات وذلك من أجل الوصول إلى منظومة علمية شاملة ومنهجية متكاملة تقدم كل ما هو نافع ومفيد من تراث الإنسانية جميعا، وتحقق كافة الأهداف السامية التي قامت عليه دور المصادر، بدور بناء في بناء الحضارة، ونشر الثقافة والعلوم، مع توطيد الصلات العلمية بين أفراد الأمة المسلمة من ناحية، وبين الشعوب والأمم المختلفة من ناحية ثانية حيث إن دور مصادر التعلم لم تكن فقط أماكن لاقتناء الكتب، بل كانت منارات لنشر العلم والثقافة في أجواء يسودها التسامح والحوار البناء وحرِية البحث العلميِ. فقد أسس العباسيون في بغداد أول صرح ثقافيِ يحتوي على الكتب النفيسة والمخطوطات النادرة في شتى العلوم والمعارف بعدة لغات وترجع النواة الأولى في وضع لبنات هذا الصرح الثقافيِ الكبير إلى خلافة أبي جعفر المنصور، الذي كان أول خليفة عباسي اهتم بالعلوم بعد ما رأى اختلاط العرب بالفرس والروم، فوجه اهتمامه إلى ترجمة الكتب من اللغات الأعجمية، إلى اللغة العربية سواء في مجال الفلك، أو الطِبِ، أو الرِياضيات، أو الأدب. فقد ازدهرت مكتبة بيت الحكمة في عهد الخليفة هارون الرشيد، بعد أن ازاد عدد العلماء في بغداد أحدث لهم هذه المكتبة لتكون بمثابة أكاديمية علمية يلتحق بها المعلمون والمتعلمون على حد سواء، كما حرص الرشيد على تزويدها بالكتب المتعدِدة والمتنوِعة في شتى المجالات التي نقلت من بلاد الروم ومصر والشام فقد اتسعت خزانة الحكمة حتى أصبح لها أقسام متعدِدة وعين لها أميناً على ترجمة الكتب وكان أكثرها في مجال الطب وعين له كتاباً مهرة لمساعدته وعين أناس مجلدون يجلدون الكتب ويعتنون بزخرفتها وتنميقها وفي عهد المأمون اهتم ببيت الحكمة وعمل على توسيع بيت الحكمة - وبعد هذا وذاك أنشأ المأمون معهداً رسمياً للترجمة كما جعل المأمون من مكتبة بيت الحكمة مجمعاً علمياً كبيراً لنشر الثقافة والعلم والمعرفة بين الناس - فقد اهتم المأمون بختم الكتب كافة بخاتمة، حتى تكون هذه الكتب في مأمن من السرقة. وفي عهد الخليفة المتوكل تم تجديد معهد الترجمة فقد عرف الخليفة المتوكل في عصره إلى حب العلماء وطلابه فكان يحضر إلى منزله الفصحاء من العرب ومن علماء الكوفة والبصرة والكتّاب المرموقيفي الحقبة الزمنية، وكان لهؤلاء القوم أثر حضاري رائع في البحث والحث على الاستزادة من كافة العلوم والمعارف بين الناس، وكان لهم أيد بيضاء على مسيرة العلم والمعرفة - وفي معهد الحاكم بأمر الله الفاطمي تم إنشاء مكتبة بيت الحكمة بالقاهرة. وأخذ يعِد هذه المكتبة أعداداً جيداً بكافة المستلزمات الضرورية من فرش وستائر وأبواب وزخارف ورفوف مفتوحة وقام على تقسيم المكتبة إلى أقسام متعدِدة - قسم للفقهاء وقسم لقراءة كتاب الله، وقسم لأصحاب النحو واللغة العربية، وقسم للطِبِ والأطباء، وقسم للفلكيين إلى جانب قاعات للمحاضرات والمناقشات والندوات والمناظرات التي تعقد خلال العام الواحد وفي قرطبة قامت نهضة ثقافية كبرى وظهر ذلك جلياً باهتمام إنشاء المكتبات وظلت هواية جمع الكتب وحب اقتنائها في نفوس الشعب الأندلسي وفي القيروان أنشئت المكتبات العامة وكانت مفتوحة للدارسين وتضم أعداداً من أمهات الكتب المتنوِعة فهذه نبذة سريعة عن مصادر الأصول الحضارية الإسلامية في تلك الحقبة الزمنية.