د. محمد عبدالله الخازم
أغلب أو جميع وزراء الصحة أبدوا اهتماماً بالرعاية الأولية ومشتقاتها؛ طب الأسرة وصحة المجتمع. يؤكدون ضرورة تفعليها والاهتمام بها، وبعضهم خرج (بثيمات) أو أهداف براقة مثل خطة تأسيس 2000 مركز صحي أو طبيب أسرة لكل مواطن. نعيد الكتابة حول هذا الموضوع رغم خشية الملل من تكرار موضوع غير جاذب لصنَّاع السياسات الصحية. آخر التطورات هو اعتبارها مجرد تكوين ضمن المجمعات الصحية، رغم قناعتنا المستمرة بضرورة فصلها ضمن كيان مستقل تنظيمياً.
الهدف الذي كان يجب أن يتحقق منذ سنوات بعيدة، هو ضمان وصول كل شخص إلى خدمات الرعاية الأولية القريبة من منزله أو مقر إقامته. أو كما كتبت قبل سنوات بعيدة، الحلم بوصول كل مواطن إلى مركز رعاية أولية كما يصل كل طفل إلى مدرسة قريبة من منزله. على كل حال، طموحنا هو توفر رعاية أولية بمواصفات منها:
1- مراكز/ عيادات رعاية أولية يتوفر بها الحد الأدنى من الكفاءات المتخصصة والمساندة. يجب أن يكون لدى جميع السكان إمكانية الوصول إلى فريق رعاية أولية يتكون على الأقل من طبيب الأسرة والطاقم المساند والمكون من ممرض، أخصائي التغذية، أخصائي التأهيل، الصيدلي، والأخصائي الاجتماعي ... إلخ. سواء كان ذلك عبر مراكز رعاية أولية أو عيادات أو رعاية منزلية أو بالتعاون مع ذوي الاختصاص وفق الحاجة من خارج مراكز الرعاية الأولية. مثلاً، عندما لا يوجد مختبر بمركز الرعاية الأولية، يمكن الاستعانة بأقرب مختبر...
2- الوصول المباشر والسهل لفريق الرعاية الأولية. يفترض أن لا يخضع وصول المريض أو العميل، بغض النظر عن موقعة، إلى فريق الرعاية الأولية تعقيدات التأمين أو التحويل من ممارس/ جهة أخرى أو أهلية العلاج. وقد يكون مناسباً استحداث مسار تأميني حكومي/ أهلي ميسر ومناسب لمجال الرعاية الأولية، فمثل ذلك سيزيد جاذبية القطاع للمشاركة الأهلية والخاصة. على سبيل تأمين مقابل عدد جلسات/ زيارات لكل مواطن لكل عام.
3- توفر نظام تحويل وتواصل واضح مع الرعاية الثانوية أو المتقدمة بدرجاتها المختلفة، بحيث يسهل انتقال المريض إلى العيادة/ المركز/ المستشفى/ المدينة الطبية/ التجمع الصحي في منطقته وفق حاجته الصحية. الرعاية الأولية يجب أن تكون بوابة العبور للرعاية المتقدمة دون عوائق تنقل بين الاثنتين..
4- توفر نظام معلوماتي يتيح سهولة الوصول والتواصل وتبادل وتكامل المعلومات مع كافة موفري الخدمة ومع الخدمات الصحية الأخرى ومع الجهات ذات العلاقة مثل التأمين. يفترض أن تجاوزنا فصل ملف الرعاية الأولية عن ملف المستشفى أو المركز الآخر. نظام يسمح باسترجاع المعلومات والتعامل معها سواءً ما يخص المريض فردياً أو ما يخص التخطيط والسياسات الصحية ذات العلاقة.
5- إتاحة مشاركة متخصصي الرعاية الأولية ومن في حكمهم في قيادة/ المشاركة في القيادة والمساهمة في صنع سياسات قطاع الرعاية الأولية. حالياً ومع وجود التجمعات الصحية، نجد مشاركة منسوبي الرعاية الأولية معدومة أو محدودة ويغيبون عن مجالس الإدارات والمجالس ذات العلاقة بصنع القرارات والتمويل وغيره. هذه مشكلة أزلية، من يخطط لقطاع الرعاية الأولية ليس دائماً من أهل الاختصاص.
الخلاصة، أدعو إلى تقييم واقع الرعاية الأولية ضمن المجمعات الصحية. والتفكير بشكل جاد في فصل قطاع الرعاية الأولية عن التجمعات الصحية ليكون ضمن منظومة مستقلة، تسمح له بالنمو والتطور والحصول على التمويل اللازم، وكذلك تسمح له بتكوين نظام تنظيمي مالي تأميني ميسَّر بعيد عن تعقيدات الرعاية العلاجية والمتقدمة.