طلال بن مشعان
في خضم التحولات الكبرى التي تعيشها المملكة العربية السعودية، يقف الإعلام السعودي على مفترق طرق حاسم: بين تاريخ مشرف من التأثير، ومستقبل يتطلب التجديد والانطلاق نحو العالمية، هذه المرحلة، التي تعد من أكثر المراحل مفصلية في تاريخ الوطن، تحتم على الإعلام أن يتحول من ناقل للأحداث إلى صانع للتأثير، ومن مجرد صوت داخلي إلى مرآة عالمية تعكس الصورة الحقيقة للمملكة.
ولم تكن رؤية المملكة 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مجرد خطة اقتصادية وتنموية، بل كانت بمثابة إعلان ولادة لعهد إعلامي جديد. يتطلب أن يكون أكثر احترافية، وعملاء وابتكارا، وقد وضعت الرؤية الإعلام ضمن ركائزها، فأسست الهيئات المتخصصة، ودعمت المنصات، وتوسعت صناعة المحتوى في محاولة لصناعة إعلام وطني منافس عالمياً. وتُظهر دراسة صادرة عن الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في عام 2023 أن المحتوى المحلي في الإنتاج الإعلامي السعودي ارتفع بنسبة 48 % خلال ثلاث سنوات، إلا أن التحديات لا زالت قائمة:ضعف التخصص، شبح الاستثمار، وفجوة التأهيل الإعلامي.
بين «الرياض إكسبو 2030» و»كأس العالم 2034»، تكمن مسؤولية الإعلام في رسم صورة المملكة للعالم بلغة تفهمها الشعوب، وأسلوب يُجاري الإعلام الجديد، إن استضافة حدثين بهذا الحجم، يعني بالضرورة بناء منظومة إعلامية غير تقليدية، قادرة على العمل عبر مختلف اللغات، باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الصناعي، مع التركيز على سرد القصص الإنسانية، الثقافية، والحضارية التي تميز المملكة.
في تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2024، وضعت المملكة ضمن أعلى 10 دول استعدادا رقميا لاستضافة الأحداث العالمية، إلا أن المؤشر الإعلامي أشار إلى أن 36 % فقط من الإعلاميين المحليين مدربون على التغطية العالمية. ومنذ سنوات، كانت وكالات الأنباء العالمية تعتمد على مراسليها الأجانب لنقل ما يحدث في السعودية، اليوم، تشهد وجوهاً سعودية على شاشات وبلومبيرغ، تتحدث بثقة عن وطنها، وتدير الحوار لا تكتفي بالإجابة عليه BBC وCNN.
ومنصة مثل «مانجا برودكشنز»، التي بدأت كحلم سعودي لصناعة الرسوم المتحركة، أصبحت اليوم تُصدِّر محتواها إلى اليابان وأمريكا، وتُعرض أعمالها في «نيتفلكس» و»كرتون نتوورك».
وما حققته هيئة الأفلام وهيئة المسرح والفنون الأدائية وهيئة الموسيقى من برامج دعم وتمكين، خلق قاعدة جديدة من المبدعين الذين سيكونون رواة قصة الوطن للعالم في مرحلة ما بعد 2030.
ولكي ينجح الإعلام في إيصال صوت المملكة في المرحلة القادمة، تحتاج إلى:
* إعلام متعدد اللغات، ومحتوى ينتج بالإنجليزية والفرنسية وغيرها، ويستهدف الجمهور العالمي مباشرة.
* شركات إعلامية قوية قادرة على التنافس في إنتاج الوثائقيات التغطيات الحية، والبودكاست العالمي.
* تأهيل إعلامي حقيقي: ربط الجامعات بالميدان، وتدريب إعلاميين على تقنيات الذكاء الاصطناعي، السرد الرقمي، وصناعة التأثير.
* رواية القصص السعودية: الاستثمار في القصص المحلية التي تُبرز القيم، الهوية، والطموح السعودي.
* تحالفات إعلامية دولية: شراكات استراتيجية مع كبرى الوكالات والمنصات العالمية لتعزيز الحضور الدولي.
ولسنا في بداية الحلم، بل في قلب تنفيذه، والإعلام، لم يعد طرفاً يستدعى بعد أن تنتهي القرارات، بل شريك في صناعتها، وضامناً لنجاحها، ومع «الرياض إكسبو 2030» و»كأس العالم 2034»، سيكون الإعلام السعودي في قلب العالمية لا على هامشها.
إنه وقت القصص السعودية، وقت الحقيقة، وقت التأثير، وما تحتاجه المملكة اليوم هو إعلام يوازي طموحها: طموح لا سقف له.