د. رانيا القرعاوي
يشهد العالم حالة من الترقب تجاه الأوضاع الاقتصادية، نتيجة لحرب التعريفات الجمركية بين الولايات المتحدة والصين. وقد توقعت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي إلى 2.3 % في عام 2025، مقارنة بـ2.8 % في عام 2024.
وسط هذه التحديات، تتعاظم أهمية دور الإعلام في التعامل مع الأزمات الاقتصادية. ففي مثل هذه الفترات، يلجأ الأفراد إلى وسائل الإعلام كمصدر رئيسي لفهم ما يجري، وكيفية التعامل معه، وذلك بحسب ما توضحه نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام (Media Dependency Theory)، التي تشير إلى أن تأثير الإعلام يزداد كلما ارتفع مستوى الغموض والتوتر وعدم اليقين لدى الجمهور.
هنا، يلعب الإعلام دورًا في صناعة الفرص من قلب الأزمات؛ فالتباطؤ الاقتصادي لا يعني الجمود، بل يفتح المجال لإعادة النظر في الأولويات، وتنمية قطاعات بديلة مثل الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر. ولا يكتفي الإعلام المهني برصد المؤشرات، بل يسلّط الضوء على قصص النجاح، ويشرح الفرص الكامنة، ويحفّز المواطنين وروّاد الأعمال على المبادرة والتكيّف مع التغيرات. وفي المملكة، يؤدي الإعلام دورًا محوريًا في شرح السياسات الاقتصادية التي تتخذها الدولة لدعم الاستقرار، مثل تشجيع الاستثمار في القطاعات الواعدة، وتبنّي التقنيات الحديثة ضمن مستهدفات رؤية 2030. فالمواطن لا يحتاج فقط إلى المعلومة، بل إلى فهم أبعادها وأثرها عليه، ما يجعل من تبسيط الخطاب الاقتصادي أولوية في الرسالة الإعلامية.
تاريخيًا، لعب الإعلام دورًا بارزًا في التخفيف من آثار الأزمات الاقتصادية، كما حدث خلال الكساد الكبير في الولايات المتحدة، حين استخدم الرئيس فرانكلين روزفلت الإذاعة للتواصل مع الشعب عبر أحاديث «الموقد» الأسبوعية، ما ساهم في تهدئة الشارع واستعادة الثقة بالسياسات الحكومية. وقد أثبتت هذه التجربة أن الخطاب الإعلامي المتزن يمكن أن يكون أداة تعافٍ، لا أداة ترهيب.
إن مسؤولية الإعلام في مثل هذه الأوقات لا تقتصر على نقل الأرقام، بل تشمل أيضًا بناء وعي جماعي مسؤول. فالتهويل، والعناوين السوداوية، والمبالغة في تصوير الخطر قد تزرع الذعر وتضعف الثقة، بينما المطلوب هو إعلام واعٍ ينقل الواقع بلغة متزنة، ويقدّم حلولًا ممكنة.
فالإعلام لا يجب أن يكون مشتتًا لذهنية الجمهور، بل عليه أن يسلّط الضوء على الأحداث، ويضخ محتوى إيجابيًا بوسائل اتصالية تطمئن الناس وتوجّههم.
كما قال عالم الإعلام مارشال ماكلوهان: «وسائل الإعلام ليست مجرد قنوات لنقل المعلومات، بل تصنع الواقع الذي نعيشه». وهنا تكمن أهمية أن يكون إعلامنا الوطني مساهمًا في بناء الثقة، لا في تضخيم القلق وترسيخ الإحباط.
** **
- باحثة في الإعلام الاستراتيجي، متخصصة في قضايا الطاقة وإدارة الاتصال في الأزمات